على أن من المحقق أن حاجة (يثرب) إلى سنة تؤرخ بها، هي التي أملت عليها الدعوة إلى وجوب الاتفاق إلى سنة معينة للتاريخ منها، غير عام الفيل وعام الفجار وما أشبه ذلك مما لا آخر له، فكان أن استشار الخليفة أصحابه في ذلك فأشار عليه علي كرم الله وجهه - على رواية (يثرب) - باتخاذ السنة التي هاجر فيها الرسول إلى المدينة مبدأ للتاريخ الإسلامي.
بعد هذا الاستطراد الذي لم نر منه بداً للتعريف (بيثرب) ورفعة مقامها وعلو منزلها، نقول إنا وجدنا فيما عندنا من أعدادها وصفاً مفصلاً لجريمة مولى المغيرة، فرأينا أن ننقله بحروفه حسما للخلاف، وإحقاقاً للحق.
قالت في ملحق أصدرته ضحى الأربعاء ٢٦ ذي الحجة سنة ٢٣ هجرية تحت العنوانات الآتية المكتوبة بالخط الجليل على سبعة أعمدة:(غلج فارسي يطعن أمير المؤمنين وهو يقيم الصلاة - ويصيب ١٣ رجلا ثم ينتحر - أهي مؤامرة فارسية نصرانية؟ - تحريات مندوبي يثرب الخصوصيين).
ثم قالت الجريدة:
(لم نكد نفرغ من طبع العدد الأخير من (يثرب) وندفع به إلى الباعة، ونذهب إلى المسجد للصلاة، حتى فوجئنا باعتداء أثيم مروع من علوج فارس على حضرة صاحب الجلالة أمير المؤمنين وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الفاروق عمر بن الخطاب وهو يسوي الصفوف في المسجد ويهم باقامة الصلاة. وهو اغتيال دنيء وغدر خسيس تنكره الشهامة ولا تعرفه العرب، ولو أن مائة من أمثال هذا العلج الزنيم تصدوا لجلالته، وهو يراهم لخلط عظمهم بلحمهم وأكلهم وتأدم بآبائهم وأجدادهم إلى قابيل، ولكن هذا العلج جاءه من وراء ظهره، وأخذه غدراً وطعنه غلية، وهو رافع يديه يكبر للصلاة.
وقد سبق لنا أن حذرنا الحكومة من هؤلاء الفرس والنصارى الذين يفدون على مدينة الرسول؛ فإنها - على وفرة الماء فيها بالقياس إلى غيرها من بلاد العرب - يابسة الضرع، وغيرها من الأمصار التي فتحها أخصب، والعيش فيها أرغد، فمجيء هؤلاء الأغراب الموتورين إلى المدينة وإقامتهم فيها أمر مريب، فما يعقل أن يطيب لأمثالهم فيها