للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عيش، وهو الذين نشأوا في ظلال الدعة وألفوا حياة اللين والترف، وهذا ما جناه السماح لهم بالإقامة بين ظهرانينا.

ودعوا مراراً إلى اتخاذ الشرطة والحراس، والعسس بالليل، ومراقبة الأجانب، وقلنا إن خروج الخليفة وليس معه حارس، ولا في يده سلاح، ونومه في الأحيان الكثيرة في ظل شجرة أو جدار لا يخلو من الخطر، وأنه تعرض لا تؤمن مغبته، ولو أنه ليس بالمدينة إلا العرب لما أشفقنا، ولكن الأغراب كثروا بيننا، وهو من بلاد داستها جيوشنا، ودوخت أممها، وثلت عروشها، فهم حاقدون مضطغنون، لا يؤمن غدرهم ولا يتقي شرهم إلا بالحيطة والتحرز منهم. وقد صدق ظننا مع الأسف، وليته خاب ألف خيبة، نسأل الله اللطف فيما وقع).

ثم فصلت الجريدة الحادث كما وقع فقالت:

(دخل جلالته المسجد ليصلي بالناس على عادته، وكانت في يده الدرة التي لا تفارقه، فاخترق الصفوف والناس يفسحون له، ويحيونه بأحسن من تحيته، حتى صار إلى الصدر فاستقبل الناس ليقوم صفوفهم، وذاك دأبه، فان جلالته يكره الفوضى ويحب النظام، ثمألقى الدرة من يمينه - وكان يسوي بها الصف ويشير للمتقدم أن يتأخر، وللمتأخر أن يحاذي الذي بجانبه، ثم اتجه إلى القبلة ورفع يديه وكبر، ولم يكد صوته الجهوري يرتفع بالتكبير حتى هجم عليه رجل - ظهر فيما بعد أنه غلام المغيرة - وفي يده خنجر وضربه به في كتفه، فانحنى أمير المؤمنين قليلاً من عنف الصدمة وقوة الضربة على غير توقع منه، فمال معه المجرم وكاد يسقط، غير أنه اعتمد بيسراه على ظهر جلالته ونزع الخنجر الذي أصاب عظمة الكتف، وكان جلالته قد تمالك، وذهبت عنه دهشة المفاجأة فدار ليواجه المعتدي عليه، فعاجله الجاني بطعنة في خاصرته، وأسرع فنزع، وتشدد جلالته فضربه بجمع يده في صدره وهو يقول: (تريد قتلي يا ابن الفاعلة؟) فارتد المجرم خطوات، ثم كر عليه بالخنجر يطعنه طعناً سريعاً فسقط أمير المؤمنين على الأرض.

وكان الناس قد اذهلتهم هذه المباغتة، وأصابتهم منها لأول وهلة كالرعب، فتراجعوا والتوت صفوفهم، ثم أفاقوا، فصاح بعضهم يطلب الشرطي - وأين هو حتى يلبي النداء؟ - وهجم منهم عليه رهط، فأعمل فيهم خنجره يضرب يميناً وشمالاً كالمجنون، فأصاب منهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>