ثلاثة عشر رجلاً، وألهم الله بعضهم فألقى عليه برنسا - كما تلقى على الجواد الجامح ثوباً - فأعماه وشل حركته، ثم تكاثروا عليه، وأيقن هو أنه هالك لا محالة فطعن نفسه فمات!
وأقبل الناس بعد ذلك على أمير المؤمنين واجمين محزونين - حتى الجرحى منهم - فردهم جلالته عنه باشارة وسأل:
(هل فيكم عبد الرحمن بن عوف؟)
فتلفت الناس ينظرون، فإذا ابن عوف يفرقهم ويقول:
(نعم يا أمير المؤمنين)
فقال جلالته: (تقدم، فصل بالناس)
فكانت دهشة، ولكن عمر هو عمر، لا يشغله خطب عن دينه وواجبه، ولا يجرؤ أحد على خلافه من هيبته، فصلى ابن عوف بالناس صلاة خفيفة، وعيونهم على جلالته، وهو ساكن وادع معتمد على الأرض بمرفقه، يصلى معهم بشفتيه، ثم أقبلوا عليه فحملوه، يريدون أن يذهبوا به إلى داره، فقال:
(مهلاً، ناولتي درتي يا هذا)
فناولوه إياها، فأخذها وهو يقول وعلى فمه ابتسامة:
(أرأيتم ماريشالاً بلا عصاه؟)
فابتسموا لابتسامته، ولكن دموعهم كانت تساقط على لحاهم وأيديهم التي خضبها دمه الزكي، فنظر اليهم يبكون وقال يزجرهم:
(بل الحمد الله الذي لم يجعل منيتي بيد مسلم)
أما الجاني فهو أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة، وأصله فارسي من نهاوند، وقد كتب الينا مندوبنا القضائي يقول:
منذ بضعة أيام جاء فيروز هذا إلى أمير المؤمنين يشكو إليه أن مولاه المغيرة بن شعبة يشتط في الخراج الذي ضربه عليه ويرهقه بما يتقاضاه منه، وسأله التخفيف عنه.
فسأله جلالته: (كم خراجك؟)
فقال: (درهمان في كل يوم)
فسأله: (أو كثير هذا عليك؟)