فقال جلالته:(ثلاث صناعات في يديك، وتشكو رقة الحال وتستكثر درهمين؟ كلا ليس خراجك بكثير على ما تصنع من الأعمال) وأعرض عنه.
وقد يؤخذ من هذا أن فيروز حقدها على جلالته، وأسرها في نفسه، وأضمر أن ينتقم، ولكنا لا نعرف أن الناس يقتل بعضهم بعضاً من أجل درهمين، فكيف باغتيال خليفة؟ ثم إن تحرياتي تدل على أن الأمر كان مبيتاً بليل، فقد حدثني عبد الرحمن ابن أبي بكر - وهو ثقة - أنه رأى عشية أمس الهرمزان الفارسي وجفينة النصراني وأبا لؤلؤة هذا، وهم يتناجون، فلما رأوه اضطربوا، وسقط من أحدهم خنجر له شعبتان، يقول ابن أبي بكر أنه هو نفس الخنجر الذي ضرب به أبو لؤلؤة أمير المؤمنين. فبماذا كانوا يتناجون في غلس الليل، وهذا فارسي أعجمي، وذاك نصراني عربي وثالثهم مملوك للمغيرة؟ وماذا جمع العربي النصراني، والفارس المجوسي وإن تظاهر بالإسلام؟
ومعروف أن الهرمزان هذا كان من قواد الفرس الذين هزمهم سعد بن أبي وقاص، وقد أظهر الإسلام لينجو بجلده، وخان المسلمين مراراً ثم زعم أنه تاب، ومثله خليق أن يبطن العداوة للعرب وألا يغفر لهم أنهم مزقوا عرش الأكاسرة وغلبوهم على بلادهم مجوسيتهم، وسووا بين الناس فلا سيد ولا مسود، ولا شريف ولا وضيع.
أما جفينة فأمره مشهور، وهو نصراني من نجران، أتى به سعد بن أبي وقاص ليعلم الناس الكتابة - فيا سوء ما أتى به سعد من هذا! وقد كان أمير المؤمنين خاف انتقاص النصارى في نجران عليه، وهو في حرب الفرس والروم، فأجلاهم عن جزيرة العرب ثم عوضهم وأوسع لهم من الأرض في الشام والعراق، وأعطاهم خيراً مما تركوا، ثم هزم المسلمون جيوش هرقل وهو حامي النصرانية، فجفينة لا ريب مضطغن لذلك؟ وقد وجد في الهرمزان حليفاً ونصيراً، وفي فيروز وهو فارسي كالهرمزان، أداة لارتكاب الجريمة المدبرة.
وهذا هو الذي عليه الرأي العالم، ولو ترك الناس لرأيهم وخلى بينهم وبين ما يريدون