الدنيا شغفا بها، وتهالكا عليها. نعم أن أبا بكر وعمر أنفقا جهدا غير يسير في سد ذرائع هذا الخطر، وبدءا في ذلك بأنفسهما. فكانا مضرب المثل في القناعة والزهد وخشونة العيش. وحاول ثانيهما أن يحمل الناس على القصد والاعتدال فلم يقسم بينهم الأرض المفتوحة عنوة، ثم زاد فمنع قريشا من الخروج إلى البلدان المفتوحة الا بأذن وإلى أجل. فلما شكوه خطبهم خطبة قال فيها تلك المقالة التي تفيض قوة وتصميما. . . . . ألا وان قريشا يريدون أن يتخذوا مال الله معونات من دون عبادة، ألا فأما وابن الخطاب حي فلا! أني قائم دون شعب الحرة فآخذ بحلاقيم قريش وحجزها أن يتهافتوا في النار. فلما ذهب عمر لسبيله وولى عثمان تنفست قريش وسرى عنها، وأقبلت تستغل لين ذي النورين وحياءه الجم، فانطلقت إلى الأمصار تقتني المال الوافر والعقار الواسع والاقطاعات المترامية على ضفاف دجلة والفرات والنيل، وتتملك أرضا هي بحكم نظام عمر وقف على عامة المسلمين يشركون جميعا في غلته. فأثرت قريش وربلت، وصارت إلى رفاغة عيش لهم تلم لها من قبل بخيال. يحدثنا أبو الحسن المسعودي فيقول:(وفي أيام عثمان اقتنى جماعة من أصحابه الضياع والدور، منهم الزبير بن العوام، بنى داره بالبصرة وهي المعروفة في هذا الوقت. . . . . وابتنى أيضاً دورا بمصر والكوفة والإسكندرية وما علم من دوره وضياعه فمعلوم غير مجهول إلى هذه الغاية. وبلغ مال الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار، وخلف الزبير ألف فرس وألف عبد وألف أمة وخطاطا بحيث ذكرنا من الأمصار. وكذلك طلحة بن عبيد الله التيمي، ابتنى داره بالكوفة المشهورة به هذا الوقت المعروفة بالكباسة بدار الطلحتين وكانت غلته من العراق كل يوم ألف دينار، وقيل اكثر من ذلك (!) وبناحية سراة (؟) اكثر مما ذكرنا، وشيد داره بالمدينة وبناها بالآجر والجص والساج؛ وكذلك عبد الرحمن بن عوف الزهري، ابتنى داره ووسعها وكان على مربطه مائة فرس وله ألف بعير وعشرة آلاف من الغنم، وبلغ بعد وفاته ريع ثمن ماله أربعة وثمانين ألفا. وقد ذكر سعيد بن المسيب أن زيد بن ثابت حين مات خلف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار. وابتنى المقداد داره بالمدينة في الموضع المعروف بالجرف على أميال من المدينة وجعل أعلاها شرفات، وجعلها مجصصة الظاهر والباطن. ومات يعلى بن أمية وخلف خمسمائة ألف دينار وديونا