على الناس وعقارات وغير ذلك) ثم يقول المسعودي (وهذا باب يتسع ذكره ويكثر وصفه فيمن تملك من الأموال في أيامه، ولم يكن مثل ذلك في أيام عمر بن الخطاب، بل كانت جادة واضحة وطريق بينة).
مهما يكن من المبالغة في هذا النص، فهو لا ريب يشير إلى حال كانت لا بد مثيرة لمعارضة جادة غير هازلة، فالعهد بصاحب الشريعة الإسلامية والشيخين كان لا يزال قريبا، ومبادئ الإسلام الديمقراطية لم تنمح بعد من الأذهان، وقد وجد نوعان من المعارضة لهذه الحال: نوع يستند إلى العنف والقوة المادية، وكان بالأمصار الكبرى، حيث الجند الذين شادوا الدولة بسيوفهم والذين اصبحوا يرون قريشا استأثرت بحقهم في الفيء، وبلسان هؤلاء يقول شاعر من أهل الكوفة: -
يلينا من قريش كل عام ... أمير محدث أو مستشار
لنا نار نحرفها فنخشي ... وليس لهم فلا يخشون نار
ومن هذا القبيل معارضة أهل المدينة. ولكنها كانت ذات صوت خافت ممجمج لأن المدينة لم تعد محل القوة المادية في الدولة العربية فقد خلفها في ذلك الأمصار المذكورة. والحق أن الأوس والخزرج قد أدوا الواجب الذي من اجله لقبوا (بالأنصار) ثم أخذ نجم مجدهم السياسي في الأفول. وأما النوع الآخر من المعارضةفكان يستند إلى الدليل الشرعي وإلى مبدأ الحق والعدالة. وهذا كان يحمل لواءه عاليا رجل قوال اللسان، ثبت الجنان، صريح في الحق كل الصراحة: ذلك أبو ذر الغفاري.
كانت غفار من القبائل الضاربة حول المدينة، وكانت في الجاهلية تحترف قطع الطريق واعتراض القوافل التي تمر من أرضها وهي حرفة لم يكن بها بأس في عرف ذلك الزمان، فنشأ أبو ذر نشأة أعرابية، واتصف بما يتصف به الأعراب عادة من صدق اللهجة وصراحة القول، ومرن على حياة البادية بما فيها من خشونة وسذاجة. ويقال أنه بقوة عقله وصفاء ذهنه أدرك ما عليه قومه من فساد العقيدة، فاطرح الأوثان ووحد الإله وذلك قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين. فلما نبئ عليه السلام وبلغت أبا ذر دعوته، وجد مشاكلة قوية بين هذه الدعوة وبين ما كانت نفسه اطمأنت إليه من قبل، فرحل إليه من فوره، وما هو إلا أن لقيه وسمع منه القرآن حتى أسلم وكان خامس خمسة هم كل الجماعة