الإسلامية آنذاك. ولقد أبى إلا أن يجهر في مكة بدينه الجديد فتعمدته قريش بالأذى ثم ذكرت أنه من قوم تمر عيرها من أرضهم، فكفت عنه.
عاد أبو ذر بعد ذلك إلى البادية فدعا قومه إلى الإسلام فأسلم بعضهم، ثم أسلم سائرهم عندما هاجر الرسول إلى المدينة، وبذلك أصبحت غفار من القبائل التي ظاهرت الرسول في محاربته قريشا. وقد لبث أبو ذر في قومه إلى أن تمت الهجرة وانقضت أيام بدر وأحد والخندق ثم قدم المدينة وخرج مع الرسول في غزوة تبوك ولزم صحبته إلى أن توفي عليه السلام فكان بذلك من أكبر رواة الحديث.
وقد وردت أحاديث تشير إلى أخلاق أبي ذر فيروى أن النبي سمعه يقول لآخر (يا بن الأمة) فقال عليه السلام (ما ذهبت عنك اعرابيتك بعد) وتخلفت بأبي ذر راحلته عن الجيش في غزوة تبوك فتركها أدرك الجيش ماشيا وحده فقال الرسول (. . . يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده)، وورد فيه أيضاً (ما أفلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من ذي لهجة اصدق من أبي ذر).
وأقام أبو ذر بعد وفاة الرسول بالمدينة، فلما كانت خلافة عمر بن الخطاب ألحقه عمر في العطاء بأهل بدر تشريفا لقدره وان لم يكن منهم، فعرض له خمسة آلاف درهم في السنة. ثم خرج إلى الشام، وغزا مع معاوية ارض الروم سنة ٢٣ هـ وجزيرة قبرس سنة ٢٧ هـ.
فلما وقف تيار الفتوح العربية منتصف خلافة عثمان أقام أبو ذر بالشام فرأى ما آل إليه المسلمون من الحال التي سبق وصفها. رأى رجال الدولة تسمى الفيء مال الله توصلا بهذه التسمية الخادعة إلى الاستئثار به أو التصرف فيه كما يشاءون. ورأى المجتمع قد استحال فريقين متباينين: أغنياء مترفين وفقراء معدمين، فأثارت تلك الحال حفيظة أبي ذر وهو الذي شهد دورة الفلك كاملة، ورأى العرب في جاهليتهم وما صاروا إليه في خلافة عثمان، فنصب نفسه لمكافحة تلك الحال مهما جر عليه ذلك. فأعلن برنامجه في الإصلاح. فأما الفيء فيجب أن يسمى (مال المسلمين) لا (مال الله) وأما الأغنياء فيجب أن يرد فضل أموالهم على الفقراء، وذهب أبو ذر إلى المسلم (لا ينبغي له أن يكون في ملكه اكثر من قوت يومه وليلته أو شيء ينفقه في سبيل الله أو يعده لكريم) أخذ ذلك من ظاهر قوله تعالى