للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) وبذلك البرنامج أصبح أبو ذر داعية اشتراكيا صريحا. وقد شاعت دعوته في فقراء الناس ومجاويحهم فثاروا بالأغنياء وطالبوهم أن يشركوهم في أموالهم، فتوجه الأغنياء بالشكوى إلى أمير الشام لذلك العهد: معاوية بن أبي سفيان.

أحب معاوية قبل كل شيء أن يختر صدق أبي ذر فيما يدعو إليه، فبعث إليه في جنح الليل بألف دينار ولما كان الصبح أرسل إليه يستردها بحيلة إحتالها فوجد أبا ذر قد فرقها كلها، فعلم معاوية أن الرجل يفعل ما يقول. فأقبل يجادله فيما يدعو إليه وعلى سبيل الترضية له قبل أن يسمي الفيء (مال المسلمين) بدلا من (مال الله) ولكن أبا ذر أصر على أن ينزل الأغنياء عن فضل أموالهم للفقراء، وعبثا حاول معاوية أن يقنعه بأن الآية التي يستدل بها إنما نزلت في أهل الكتاب وحدهم. وأعيا معاوية أمر أبي ذر فجنح إلى أخذه بالشدة فنهى الناس عن مجالسته وتهدده بالقتل فلما لم يجد كل ذلك رفع أمره إلى عثمان فأمره بأشخاصه إليه، فأشخصه إليه على شر حال.

لم يكن أبو ذر في المدينة بأسعد منه في الشام فقد حاول عثمان أن يصرفه عن دعوته، ويريه أنه لا يملك أن يجبر الناس على الزهد وعلى أن يؤدوا غير فريضة الزكاة، وان كل الذي يملك هوان يدعو المسلمين إلى الاجتهاد والاقتصاد. ولكن أبا ذر كان يريد برنامجه كاملا، وولع به أهل المدينة والتفوا حوله، فرأى عثمان آخرة الأمر أن يحصر الخطر في أضيق دائرة ممكنة فنفى أبا ذر إلى الربذة وهي مكان في البادية ناء عن المدينة. والظاهر أن عثمان لم يرد أكثر من إبعاد أبي ذر عن الناس، فالروايات تقول أنه أجرى عليه رزقا يناله كل يوم وأنه لم يمنعه إلى الاختلاف إلى المدينة من حين لآخر حتى لا يرتد أعرابياً.

لم يكن أبو ذر ثائرا ولكن طالب إصلاح أرتآه. ومما يدل على عدم نزوعه إلى الثورة أنه وهو في منفاه مر به ركب من أهل الكوفة ممن كان منحرفا عن عثمان فطلبوا إليه أن ينصب راية يلتف حولها كل من كان على شاكلته وشاكلتهم، فأبى ذلك بتاتا ونهاهم عنه: وأما مذهبه في الإصلاح فلا شك أنه ابن بجدته، فالإسلام لا يحظر الثروة ولا الملكية، ولا يوجب على المسلم حقا في ماله غير الزكاة، وكل ما ينهي عنه الإسلام في هذا الصدد إنما هو أن تجعل الثروة غرضا مقصودا لذاته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>