العباسي كغيره من فروع المعرفة، وقد كانت بعض مسائله مما يطالب بمعرفتها المسلم كأوقات الصلاة ومواقع بعض البلدان المقدسة وقت ظهور هلال رمضان وغيره من الأشهر أضف إلى ذلك شغف الناس بعلم التنجيم، كل هذه ساعدت على الاهتمام بالفلك والتعمق فيه تعمقاً أدى إلى الجمع بين مذاهب اليونان والكلدان والهنود والسريان والفرس، وإلى إضافات هامة لولاها لما أصبح علم الفلك على ما هو عليه الآن.
قد يستغرب القارئ إذا علم أن أول كتاب في الفلك والنجوم ترجم عن اليونانية إلى العربية لم يكن في العهد العباسي بل كان في زمن الأمويين قبل انقراض دولتهم في دمشق بسبع سنين. ويرجح الباحثون أن الكتاب هو ترجمة لكتاب عرض مفتاح النجوم المنسوب إلى هرمس الحكيم، والكتاب المذكور موضوع على تحاويل سني العالم وما فيها من الأحكام النجومية، وأول من اعتنى بالفلك وقرب المنجمين وعمل بأحكام النجوم أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي الثاني، وبلغ شغف المنصور بالمشتغلين بالفلك درجة جعلته يصطحب معه دائماً نوبخت الفارسي، ويقال أن هذا لما ضعف عن خدمة الخليفة أمره المنصور بإحضار ولده ليقوم مقامه فسّير إليه ولده أبا سهل بن (نوبخت) وقد ساعد المنصور كثيراً إبراهيم الفزاري المنجم وابنه محمد وعلي بن عيسى الاصطرلابي المنجم وغيرهم، وهو الذي أمر أن يُنقل كتاب في حركات النجوم مع تعاديل معمولة على كردجات محسوبة لنصف نصف درجة مع ضروب من أعمال الفلك من الكسوفين ومطالع البروج وغير ذلك. وهذا الكتاب عرضه عليه رجل قدم سنة ١٥٦همن الهند قيّم في حساب السندهنتا، وقد كلف المنصور محمد بن إبراهيم الفزاري بترجمته وبعمل كتاب في العربية يتخذه العرب أصلاً في حركات الكواكب، وقد سمّاه المنجمون كتاب السندهند الكبير الذي بقى معمولاً به إلى أيام المأمون وقد اختصره الخوارزمي وصنع منه زيجه الذي اشتهر في كل بلاد الإسلام (وعول فيه على أوساط السندهند وخالفه في التعاديل والميل فجعل تعاديله على مذهب الفرس وميل الشمس على مذهب بطليموس، واخترع فيه أنواع التقريب أبوابا حسنة، وقد استحسنه أهل ذلك الزمان وطاروا به في الآفاق)، وفي القرن الرابع للهجرة حوَّل مسلمة بن احمد المجريطي الحساب الفارسي إلى الحساب العربي.