للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في مختلف التواريخ والسير.

وأهلها من صميم العرب، لهم في التاريخ والمواقف الخالدة، وكانت الرياسة فيهم ولا تزال إلى اليوم في آل الحوت، وهم فرع من بني سليم، جاءوا مع السيد عزّاز صاحب الجزيرة البيضاء، وكانت هذه النواحي وما حولها من قديم الزمن وقبل بناء الصالحية منازل لجماعات من القيسية واليمنية، وكان كبيرهم ربيعة بن قيس، ورد ذكره إبان حوادث المأمون وأخيه الأمين، فهو الذي تمسك ببيعة الأمين الخليفة العباسي، وكانت مصر قد خطبت باسم المأمون وله عامل بالفسطاط، فبعث برجل أسمه الجروي، الذي سار في جماعة من لخم وجذام إلى بلدة فاقوس، فنزل مع قومه بها وكانت له مع قبائل البلاد وقائع وحروب.

وكانت هذه المناطق موطناً للعرب، ومن بني عمرو وبني حرام وبني عقبة وبني زهير وبني واصل والبقرية، وهم الذين تفرقوا في النواحي وعمروا القرى والبلاد ببطونهم وأفخاذهم.

ولما تم بناؤها أصبحت الصالحية من أهم منازل الدرب السلطاني الذي كان يربط قلعة مصر القاهرة بقلعة دمشق، طوال الأزمان الماضية، وقد وصفه المقريزي فقال أنه كان عامراً إلى سنة ٨٠٦ هجرية، وكان لا يخلو من المسافرين لأنه ممر البريد السلطاني بين العاصمتين. ولما جاء الفرنسيون رسموه على خرائطهم ووضعوا عليها أماكن الآبار، وساروا فيه بجنودهم إلى الشام وفي عودتهم إلى مصر.

ولقد قطعت الطريق بين مصر وفلسطين في ذهابي إلى سوريا وعودتي منها مراراً عديدة، وكنت أقطع القنال أحياناً من السويس وأحياناً من الإسماعيلية مخترقاً سينا، وكنت كلما لاح لي نخل القرين وأنا على مفترق الطريق قبل بلدة التل الكبير، أذكر الدرب السلطاني القديم، الذي كان يتجه من العباسة إلى بلدة القرين ثم إلى الصالحية، وأحدّث نفسي بالآمال فأقول (متى يعبّد للسيارات فتسير عليه)، ومتى تهتم السلطات المختصة بالنواحي التاريخية؟ أليس في كل مرحلة منه ذكريات، وفي كل محطة بريد أثر أو بقايا أثر، يحدثنا عن ماضينا المجيد الذي يحاول البعض أن تنساه مصر، وما كان لمصر أن تنساه.

وهذا الدرب السلطاني يعرفه ابن بطوطة الرحالة المشهور فقد سار فيه وتحدث عن

<<  <  ج:
ص:  >  >>