منازله، ووصفها بقوله (ولكل منزل منها فندق ينزل فيه المسافرون بدوابهم، وبخارجه ساقية للسبيل وحانوت للشراء) وذكر الصالحية عند نزوله بها.
أما الشيخ عبد الغني النابلسي فكان أوسع وصفاً منه حينما تناول الصالحية بكلامه، فقال (وفي داخل القرية جامع السلطان قايتباي وعمارته متينة، له إيوان عريض فيه المنبر والمحراب وله منارة عظيمة. . . وأهل الصالحية حارتان متميزتان في الألفاظ والمعاني فمنهم القيسي الأحمر واليمني الأبيض)
ولو شئت دليلاً على قيام القيسية واليمنية بقرى مصر، فأذهب اليوم إلى بلدة السماعنة من قرى فاقوس، تجد فتياتها لا يتخذن غير اللون الأبيض لخمارهن، وإذا جئت لجزيرة سعود وجدت نساءها يلبسن الحزام الأحمر، ولا تعرف واحدة منهن شيئاً عن النزاع القديم الطويل الأمد بين اللونين، والذي يمكن تتبعه من خراسان إلى ما وراء النهر في أواسط آسيا والعودة به إلى أيام الجاهلية، والتحدث عنه في الجزيرة الخضراء أي بأرض الأندلس.
ونعود إلى الصالحية فنقول إن موقعها على طرف الأراضي الزراعية وعلى حافة الصحراء، قد جعل منها مركزاً هاماً لتجمع وحشد الجيوش الإسلامية في القرون الوسطى، حتى بعد انتهاء الحروب الصليبية، فورد اسمها كثيراً في حملات ملوك مصر ضد هولاكو وأبنائه وأحفاده، وكانت لها شهرة تاريخية بتوالي هذه الحروب، وتتابع الأحداث التاريخية والمواقف الرائعة التي حدثت بها.
ففي سنة ٦٥٦ هجرية دخل هولاكو بغداد مقتحماً الجزء الغربي من بلاد المسلمين فقضى على خلافتهم، وكان جدّه قد سبقه عام ٦١٨ فدّمر الأجزاء الشرقية من أرض الإسلام في بخارى وسمرقند والري، فأراد أن يتم عمله بتدمير مصر والشام، ولذا زحف على حلب واستولى عليها، وبعث برسالة إلى سلطان مصر الملك المظفر، يهدّد ويتوعد، وسار إلى دمشق ففتحها، وكان المظفر من أبطال المسلمين، فلم يرهبه التهديد ولا الوعيد، وكانت جيوش هولاكو لا تقهر ولم يسبق لقوة في العالم أن هزمتها أو صمدت أمامها، فاكتسحت بقية الشام ووصلت طلائعها إلى غزة فقام المظفر يدعو إلى الجهاد، واتخذ الصالحية مركزاً تجتمع فيه الجيوش المصرية، وكان الناس في قلق وخوف ووجل، حتى هاجر الكثيرون