للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إلى بلاد اليمن وبرقة والنوبة، ولما تكامل حشد الجنود في معسكر الصالحية؛ طلب السلطان الأمراء وتحادث معهم بشأن الرحيل لقتال هولاكو وجنوده، وكان الرأي الغالب أن جيش التتار لا يقاوم ولا يدفع، فلم ينطق أحدهم بكلمة واحدة بل امتنعوا عن الكلام فاحتد السلطان وقال لهم (يا أمراء، لكم زمن تأكلون أموال بيت المال وأنتم للجهاد كارهون، وأنا متوجه فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع لبيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين) ولما جاء الليل ركب المظفر وقال (أنا ألقي التتار بنفسي).

فقويت العزائم وسار الأمراء معه وتحرك الجيش إلى الشام، والتقى الجمعان في يوم الجمعة ١٥ رمضان سنة ٦٥٨ هجرية بأرض فلسطين، في بلدة عين جالوت وهي المعركة التي صرخ فيها السلطان ثلاثاً (وا إسلاماه) فمن الله بالنصر المبين عليه، فخلصت الشام ونجحت مصر.

كان هذا الجمع في النصف الأخير من شعبان سنة ٦٥٨ بالصالحية، وكنت كلما قرأت عنه في المراجع؛ أحدّث نفسي؛ متى أرى نصباً تذكارياً على ربوة عالية، في ميدان متسع، يذكر الناس ويوحي إلى الأجيال القادمة، بهذه الوقفة الرائعة به وهذه كلمة واحدة قد غيرت تاريخ المشرق ولو صدر مثلها من ملك من ملوك أمة من بعض الأمم لنقشوها على الأحجار وللقّنوها للأحداث والنشئ عندهم، وليس هناك أحق من الصالحية في نظري بمثل هذا الأثر، الذي يعلم الناس ما يجهلون من آيات تاريخهم، لأن على أرضها قيلت هذه الكلمة الفاصلة.

ويطول بنا الكلام إذا تحدثنا عن كل ملك نزل بها وأقام فيها، ولكني أكتفي بمناسبة سارة. ففي يوم الاثنين ٢٠ المحرم سنة ٧٠١ عاد الناصر محمد بن قلاوون من الصيد بالبّرية إلى معسكره بالصالحية، وكان هناك بعثة من قازان ملك التتار من سلالة هولاكو، فخلع السلطان على الأمراء واستعرض الجيوش، فدهش السفراء من زي عساكر مضر واستعدادهم، وقال المقريزي (إن الرسل أدخلوا إلى الدهليز السلطاني بالصالحية بين يدي السلطان، وقد أوقدت الشموع والفوانيس والمشاعل وغيرها، حتى أن البرّية أصبحت حمراء تلتهب نوراً وناراً، فخلع عليهم وأعطى كل واحد منهم عشرة آلاف درهم)

<<  <  ج:
ص:  >  >>