للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وانصرفوا بكتاب من الملك الناصر.

ومثل هذا كثير لو تناولناه بالجمع في تاريخ الصالحية لأخرجنا كتاباً عنها، ولكنها نظرات عابرة في حياة بلدة أعزها ولها مكانة في نفسي، أكتبها لعلمي بأن البلدان والرسوم والأطلال مثلها كمثل الرجال تتكلم أحياناً، وتوحي عن ماضيها ولا سيما إذا حفل هذا الماضي بعظائم الأمور.

ونزلها آخر ملوك مصر المستقلة، السلطان الغوري في يوم الثلاثاء ٢٥ ربيع الآخر سنة ٩٢٢ هجرية، ولما أراد الرحيل أذن لخليفة الإسلام وللقضاة الأربعة أن يتقدموه إلى غزة. وكانت رحلة بعيدة عن السعد، اختتمت بها مصر حياتها الحرة، فانتهى عهد وبدأ بها عهد، وجاء ذكر الصالحية في تاريخها كنغمة غير مسموعة، وسط قطعة موسيقية مملوءة بنغمات أقوى، ولكنها كانت للأسف نغمات الحزن والأسى والدموع. . .

هذه صالحية مصر، أشير إليها كي يذكرها الناس في وقت نسى الناس فيه كل شيء، وتقرر الحكومة المصرية فيه إنشاء مركز جديد، يقتطع من أراضي مركز فاقوس، فتقلب جميع الأوضاع، وتدرس مختلف الأسماء، وشتى القرى والبلاد، وتنسى الصالحية، كما نسيها الأستاذ الطنطاوي سامحه الله - وأجتهد أن أذكر الناس بها، وأحاول ذلك المرة بعد المرة، فلا يسمع لي أحد، ولكن الصالحية هي من بناء ملك عظيم، وكانت من منازل عظماء الملوك، ومنها خرجت جيوش الإسلام وعادت إليها منصورة. فكم منا من يعرف ذلك ويذكره! وكم من أهلها يعرف أن هذا الثرى الذي يمشون عليه، حمل أعلام العز والمجد والقوة والعمل في سبيل الله؟ لن يضيرها أن تتجاهلها وزارة الداخلية ولكن يضيرها أن ينساها الناس ولاسيما أهلوها.

أحمد رمزي

القنصل العام السابق لمصر بسوريا ولبنان

<<  <  ج:
ص:  >  >>