سطور على هذه الإشادة الظاهرية بشاعرية محمود، حتى يفجأ الكاتب قارئه بنقدٍ لبيت رائع من قصيدة (دمعة في قلب الليل). فالكاتب يسخر من قول الشاعر النابغة في حديثه عن الدموع:
عصرت من مطارف الألم الدا ... وي بقلبي وعتقت في دمائي!
بقوله:(فجعلنا نتمثل امرأة حاسرة عن ذراعيها أمام طست الغسيل تعصر تلك المطارف والأثواب. . .)
وهذا الكلام لا يجوز أن يدلي به ناقد يفهم المعادن الشعرية فهماً كاملاً، أو يكد ذهنه في اكتشاف الخبيء من المعاني الجميلة التي ينشط خيال الشاعر الجبار في اقتناصها
وكما بينت، يتردد الكاتب في إظهار حقيقة عواطفه نحو الديوان في بعض الأحيان، فهو يعود فيطري قصيدة (ثورة الإسلام في بدر). وما كان في وسعه أن يعدو ذلك أو يقول بنقيضه؛ بيد أنه يقول عن أبيات محمود الخالدة:
وقف المغني في حماك مجلجلاً ... باللحن تخفق في الورى أصداؤه
فيه من الأقدار وهلة غيبها ... خبأنه عن لمع الحجا أطواؤه
ومن الكتائب أرزمت أسلاتها ... صخب يزمجر بالفتوح نداؤه
ومن المواكب هولها في فيلق ... نشوان في يوم الفخار لواؤه
من قصيدة (يوم التاج) التي أذاعها الشاعر في مهرجان الوادي بتتويج صاحب الجلالة المليك المحبوب: (فأي مغن هذا المجلجل الذي اجتمعت فيه وهلة الأقدار وصخب الكتائب وهول الفيالق؟! إن هذه الصفات المروعة لا تصطلح على مغن ولو كان من (مطربي) محطة الإذاعة اللاسلكية بالقاهرة. . .)
يا أيها الكاتب المحترم، كيف عرفت أن الشاعر قال هذه الأبيات في مغن معين؟! لم يقل محمود هذه الأبيات في عبد الوهاب ولا في عبد الحي، ولو قال في أيهما لما كان شاعراً وإنما قالها في هذا الشعب العظيم الذي شملته نشوة روحية بيوم التاج السعيد، فانطلق يغني غناء الشعوب، تجلجل ويجتمع في غنائها هولة الأقدار وصخب الكتائب وهول الفيالق؟! كما تقول أنت حقاً!! ومحال أن تصطلح هذه الصفات على مغن من (مطربي) محطة الإذاعة اللاسلكية بالقاهرة كما تقول. . .! فالشاعر الذي يأخذ مثله الأعلى من أية محطة