للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أشهرها وأهمها سفارة قسطنطين السابع إمبراطور قسطنطينية في شهر صفر سنة ٣٣٨هـ (٩٥٠ م). وتقدم إلينا الرواية الإسلامية وصفاً شائقاً لتلك السفارة الشهيرة، وتصف لنا احتفال الناصر باستقبالهم في أروع المظاهر والرسوم، وتنقل إلينا أقوال الخطباء المسلمين في ذلك الحفل الباهر.

وفي سنة ٣٤٤هـ (٩٥٦ م) وفدت على الناصر سفارة من أوتو الكبير إمبراطور ألمانيا؛ وكان يومئذ أعظم أمراء النصرانية كما كان الناصر أعظم أمراء الإسلام. وكان بين الملكين العظيمين علائق ومراسلات منتظمة، بيد أنها لم تكن ودية دائماً. ولا تحدثنا الرواية الإسلامية عن سفارة أوتو (أو أوتون) إلى الناصر بأكثر من الإشارة إليها؛ بيد أنها كانت سفارة هامة، وكانت ذات غاية خاصة وذات مغزى خاص. وكان سفير الإمبراطور إلى الخليفة حبرا من أكابر الأحبار هو يوحنا أسقف جورتسي. وترك لنا يوحنا تفاصيل سفارته في ترجمة حياته وخلاصتها أنه سار إلى قرطبة ليسعى لدى الناصر في أمر المستعمرات والعصابات المسلمة التي انتشرت في أنحاء سافوا، وفي كثير من آكام الألب. وكانت غزواتها الناهبة تمتد حتى شمال سويسرا، وكان أمراء النصرانية التي تهدد هذه المستعمرات أملاكهم ورعاياهم قد فزعوا إلى الإمبراطور أوتو باعتباره زعيم النصرانية وأقوى أمرائها، وطلبوا منه أن يتوسط لدى خليفة المسلمين عبد الرحمن الناصر فيستعمل نفوذه السياسي والروحي لإجلاء هذه المستعمرات عن معاقلها أو على الأقل لوقف اعتدائها وعبثها. فنزل الإمبراطور عند تضرعهم وبعث سفيره إلى الناصر، فقصد يوحنا إلى قرطبة عن طريق فرنسا، ومعه طائفة من التحف والهدايا طبقاً لرسوم العصر. ولما وصل إلى دار الخلافة استقبل بحفاوة كبيرة، وأنزل في منزل خاص؛ ولكنه لم يقدم إلى الناصر في الحال، بل استبقي مدى حين في شبه اعتقال محوطا بالإكرام والرعاية؛ ويوضح لنا يوحنا بواعث هذا الاعتقال فيقول لنا: إن الخليفة كان يحقد على الإمبراطور لأنه كان قد تعرض للإسلام في بض كتبه إلى الناصر، واعتقل مدى حين سفيراً نصرانياً كان الناصر قد أوفده إلى بلاطه، فرأى أن يقابل تصرف الإمبراطور بمثله، ويعتقل سفيره أعني يوحنا حتى يتحقق من عواطفه ونياته. وبعث الناصر إلى الإمبراطور سفيراً، واختار لهذه السفارة قساً من رعاياه النصارى اتباعاً لتقليد جرى عليه الخلفاء في معظم سفاراتهم إلى القصور

<<  <  ج:
ص:  >  >>