مدن الحجاز ورقت عواطف بنيه، فسلكوا في الشعر مسالك الغزل الحضري الرقيق الصادق، حتى كاد هذا الفن لافتنانهم فيه يبتدئ بهم وينتهي إليهم
وأما الشام فكان بنجوة من الثورات النفسية والأزمات السياسية لخضوعه لبني أمية وإخلاصه لهم وانصرافه إلى تأييدهم، فلا هو مضطرم العواطف كالحجاز، ولا هو مضطرب الأهواء كالعراق، وقد أمن الخلفاء جانبه فتركوه لشأنه دون أن يثيروا عصبية لخلاف، أو يهجوا طماعيته لمغنم، فبقى الشعر من جراء ذلك راكداً في نفوس أهله لا يبعثه باعث، ولا يتوافر على دراسته وروايته باحث؛ وأكثر ما كان فيه من ذلك إنما كان يفد إليه من العراق والحجاز مع الشعراء الذين يجذبهم سخاء القصر أو دهاؤه، والأدباء الذين يطلبهم الخلفاء من البصرة كلما أعضلتهم مسألة في اللغة والنحو والأدب