للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطبيعة، فأمور يعرفها كل من قرأ كتبه، وعليه فليس من حاجة لتذكيرهم بها. وهو يعد في طليعة الشعراء الذين كتبوا في البطولات التراجيدية الشجية، إذا لم يكن أعظمهم إطلاقاً. وهناك أما دارسي شلر المثابرين جهاد شاق قبل التعرف على آرائه، لأن الكنوز الخفية من الفكر الشعور لم تزل مغطاة بغطاء النسيان. وهناك غمة في بعض كتبه الأخيرة فيها لحن العوالم العليا مجسداً في الفن. وعليه فليست النواقص الطبيعية والعرضية التي عرضنا لها في عبقريته، بمانعة من اعتباره من أعاظم الشعراء، وهذا ليس غريباً في شيء لأن كثيراً من الشعراء العظام كانت لديهم هذه الهنات. ولنضرب لذلك مثلاً، ملتون، فهو يقاسمه في كثير من معايبه، لأنه كان يركن إلى الجزالة في اللفظ والفخامة في الاداء، ويتطلع إلى الأعلى والى كل شيء جدي، أما ما يخص شؤون الحياة الأرضية فتراه قاصراً على فهمها وإدراكها. وهو كذلك ليس لديه من المزاح إلا القليل. وأسلوبه خشن في الهجاء مع توكيد على السخرية والتهكم وابتعاد من المرح والروح الرياضية اللعوب. أما من الناحية الإيجابية فهناك تشابه اكبر بين هاتين الشخصيتين، ولو أن شلر عاش في ظروف اخرى، ولم يمتلك تلك القوة الروحية العنيفة ولا تلك القابلية الضخمة، ولكنه كان يشبه ملتون في شدته وتركيزه على ما هو سام في الطبيعة والفن. وقد عشق - كل على طريقته الخاصة - ذلك السناء السماوي - وعبد عبادة قلبية صادقة. ولكن طبيعة شلر يعوزها الانسجام الفني الذي امتاز به ملتون. وقد عرف ملتون بعقمه وعذوبة موسيقاه المترابطة. ومع ذلك، فعند شلر شيء من القوة النقية المتفجرة والنغمات العذبة التي تشبه في جلالها وعمقها وفخامتها نغمات ملتون الخالدة.

امتاز شلر في العالم كمؤلف دراماتيكي، وغالباً ما نشعر بأن القدر وليس الميل الطبيعي هو الذي قاده في هذا الاتجاه، لأن موهبته كانت غنائية أو بطولية اكثر مما كانت دراماتيكية. لقد عاش منطوياً على نفسه، وهذا ما جعل عمله في تصوير العالم الخارجي أمراً صعباً. لا بل إن كثيراً من شعره - كما أشرنا من قبل - هو خطابي اكثر مما هو شعري. ومع ذلك، فالنار النقية الوهاجة ظلت مستعرة في أعماق روحه، هذه النار التي لا تجد متنفساً إلا في الشعر. أما بقية سجيته فكانت أميل إلى الصرامة العادية، مما جعل تطور قابليته الشعرية أمراً في غاية الصعوبة والإجهاد. فهذا العنصر المسيطر النقي لم يكن يتطور التطور

<<  <  ج:
ص:  >  >>