من المعارضين وهم أرباب اللسن والفصاحة بأن القرآن من عند الله؛ وبذلك (فصلت الأيام في هذه القضية)، حتى أثارها الباحثون على وجه آخر عندما تفرقت مذاهبهم في البحث. ثم استبحرت العلوم العقلية في المحيط الإسلامي فكان من ذلك ما عده بعض الناس من مظاهر شك الباحثين، وما كان الشك منه في شيء، وإنما ينحصر الخلاف بين المسلمين في دائرة محدودة أشير إليها وأجملها فيما يلي:
لا خلاف بين الباحثين في أن القرآن الكريم دلالات (ألفاظ) ومدلولات (معاني)، والدلالات هي مثار ذلك الخلاف العنيف الذي استحكم بين العلماء وأوذي فيه بعضهم أذى كثيراً؛ أما المعاني فهي من متعلقات العلم الأزلي وهي قديمة قدم العلم، أو هي بعبارة أخرى من متعلقات صفة الكلام النفسي، وما اختلفوا في أن الله كلاماً وأنه كلم بعض الأنبياء. قال ابن حزم في كتابه: الفصل في الملل والأهواء والنحل (. . . أما علم الله تعالى فلم يزل، وهو كلام الله تعالى، وهو القرآن الكريم، وهو غير مخلوق وليس هو غير الله تعالى أصلاً، ومن قال إن شيئاً غير الله لم يزل - أي قديم - فقد جعل لله شريكاً) وهو بهذا يشير إلى مذهب أهل السنة ويرد على من نفوا صفات المعاني فراراً من شبهة تعدد القدامى، وفيه وفيما يلي تعريف الكلام النفسي الذي سأل عنه الأستاذ الشيخ أبو رية (وقد ذهبت المعتزلة إلى أن كلام الله صفة فعل مخلوق. وقال أهل السنة إن كلامة هو علمه، وإنه غير مخلوق وهو قول الأمام أحمد بن حنبل وغيره. وقالت الأشاعرة: كلام الله صفة ذات لم تزل - أي قديمة - غير مخلوقة وهو غير الله تعالى وخلاف الله تعالى وهو غير علم الله) من كلام ابن حزم بتصرف
هذا محصل الخلاف في معنى الكلام النفسي، وهو بحث فلسفي في صفات الله، وما كان الاختلاف على أن القرآن كلام الله أوحي إلى النبي الكريم بطرائق الوحي التي تكفل بشرحها العلماء في مظانها المعروفة؛ وقد أجملها الأستاذ الإمام محمد عبده في (رسالة التوحيد) فقال: (الوحي عرفان يجده المرء في نفسه مع اليقين أنه من قبل رب العالمين بواسطة أو بلا واسطة) وهذا الرأي يتمشى مع قوله تعالى: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء) ومسألة الوحي لا تستعصي على كل ذي رؤية، فالعلم الحديث وما كشف من عجائب، وما اتضح للناس من