وجود الكهرباء، وما كادوا يجزمون به من عالم الروح وحركاته وسلطانه، كل ألئك يقرب معنى الوحي لمن كان يبتغي الحقيقة المجردة. وقد أستطيع التوسع في ذلك ولكني أوثر الإيجاز في انتظار حكم الأستاذ أبي رية أو ما يدلي به الباحثون من أهل الدراية
هذا وقد كانت الدلالات القرآنية (الألفاظ) مدار تلك المناظرات الحادة في عهد المأمون والمعتصم والواثق وهي تلك الظاهرة الفلسفية التي انبثت فروعها، وسميت بمحنة خلق القرآن. والخلاف في الألفاظ راجع إلى أن المعتزلة يرونها حادثة (مخلوقة) وغيرهم يتورع فيقول بقدمها. وما أراد الفريق الأول بالخلق والحدوث أن الألفاظ من كلام بشر، وإنما أرادوا أنها أعراض تقوم بالحادث وما قام بالحادث حادث؛ فالألفاظ على رأيهم حادثة. وما أراد الآخرون إلا التصون ضانين أن القول بحدوث اللفظ قد يسوق من لا بصر لهم بالموضوع إلى القول بحدوث المدلولات (المعاني) وهي قديمة بقدم العلم الأزلي
وهنا يقول العلامة ابن حزم:(اللفظ المسموع هو القرآن نفسه. . . وأما من أفراد السؤال عن الصوت وحروف الهجاء والخبر فكل ذلك مخلوق بلا شك)
وبما تقدم يصدق القول الأستاذ الإمام:(ليس النزاع في الكلام اللفظي فإنه حادث باتفاق). وأعود فأقرر أن المراد بالحدوث أن الله خلق وأحدث كما خلق الشمس والضوء، وأوحى إلى الرسول الأمين بطرق الوحي التي أجملناها. وأما قول الأستاذ الإمام (إنما النزاع في إثبات الكلام النفسي) فراجع إلى صفة الكلام لا إلى معاني القرآن الكريم وهو يشير إلى الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة في إثبات صفات المعاني لله تعالى وقد قدمنا بيانه. والآن نرجو من الأستاذ أن يبين للناس معنى قوله:(وحي القرآن باللفظ أمر اختلفت فيه الفرق الإسلامية) ويرينا وجوه ذلك الخلاف، ثم نسأله أن يبين لنا ما الذي أحرجه من رد المرحوم الرافعي عليه في هذا الموضوع. وأن يشرح لنا ما وقر في نفسه من قراءة ذلك الرد. لو تم هذا لاختصر طريق البحث وأراح المتكلمين فيه
وبعد فقد ألمع الأستاذ أبو رية في لباقة إلى ما عد خطأ تاريخياً وقع في كلمتين الأولى حيث قلت:(المأمون والواثق والمعتصم) ولا شك في أن المعتصم يتقدم بداهة على الواثق، ولكن أما كان يجدر بالأستاذ أن يحملها على سرعة الكتابة؟ على أني أبادر فأطمئنه على معنى (واو العطف) وحدودها؛ فأقول له: إن الواو هنا جاءت لمطلق الجمع فلا تفيد ترتيباً