وشهد مربيه في المنزل ومعلموه في المدرسة أن عقل الصبي أكبر من سنه، وأن له إلى الأدب ميلاً قوياً، وأن ذوقه الأدبي مولود فيه، فهو جزء من نفسه، وهو قوام إدراكه وحسه، وما وقعت عينا امرئ عليه إلا تبينتا فيه شاعر الغد؛ فالشواهد فيه على ذلك بينة متعددة، تطالع المرء في تأمله وتفكيره وفي عذوبة حديثه وسعة ثقافته وجمال عبارته وإشراقها، وقدرته منذ حداثته على اختيار اللفظ الجميل وقعه في النفس والذهن، وانفعال نفسه للموسيقى وللبليغ من القول منثوره ومنظومه، هذا إلى ما تنم عنه ملامح وجهه الوسيم وما تنطق به عيناه الحالمتان الواسعتان من رقة وظرف وصفاء نفسي، وما يتسم به مظهره من رشاقة وأناقة وسلامة ذوق.
وكان محيط قراءته واسعاً في اللغة الإنكليزية وآدابها. وكان للشاعر العظيم سبنسر المتوفى سنة ١٥٩٩ مكانة عظيمة في نفسه، تعمق دراسته وتأثر به تثراً شديداً، واستوعب قصيدته العظيمة أو على الأصح كتابه الشهير (الملكة الجنية) وأحاط بما فيها من خيال وجمال، وفطن إلى ما أراده سبنسر فيها من آراء دينية وخلقية، فقد كان كل فارس من فرسانها الإثني عشر يمثل فصيلة من الفصائل، وكان كل من هؤلاء الفرسان بطل فصل من فصول القصة يدور حول معنى مقصود اتخذت الحكاية وسيلة لإبرازه وألبسه الشعر القوي الجميل لباساً ساحراً حبيباً إلى القلوب، وكانت شخصية الفارس الأمير أرثر هي الرابطة التي تربط بين فصول القصيدة كلها؛ ولهذا كانت أهم شخصيات الكتاب وأحبها إلى القراء. ولقد كان سبنسر أعظم شعراء عصر شكسبير غير المسرحيين، ومن أشدهم تأثيراً في جيله، ويعد قمة من القمم الشوامخ في تاريخ الشعر الإنكليزي كله.
وثمة شاعر آخر أقبل على قراءته الصبي المجد، هو سلفستر المتوفى سنة ١٦١٨ أي بعد عامين من وفاة شكسبير والذي نقل إلى الإنكليزية القصة الشعرية الشهيرة التي نظمها الشاعر الفرنسي دي بارتس سنة ١٥٧٨ وموضوعها يدور حول خلق الدنيا، والتي طبعت ثلاثين مرة في ست سنوات وترجمت إلى ست لغات. ولقد أعجب سبنسر نفسه إعجاباً شديداً بهذه القصيدة وبموضوعها. ولكم وجد فيها الصبي ملتن لنفسه وبخاصة موضوعها الذي ظل خياله في خاطره حتى ظهر بعض أثره فيما بعد في قصيدته الخالدة الكبرى،