الفردوس المفقود. ولقد أعجب الصبي في تلك السن بمقدرة دي بارتس الفرنسي على اشتقاق ألفاظ جديدة لمعانيه، كما أعجب بمحاكاة سلفستر إياه في الإنكليزية، فكان لهذه الترجمة أثرها في ذوقه وفنه إلى جانب أثرها في خياله وحسه.
وتطاول الصبي إلى قراءة شكسبير فقرأه على قدر ما يتسع له إدراكه، كما قرأ بعض المسرحيات الشهيرة لشعراء المسرح النابهين غيره في العصر الاليزابيثي.
وكان كثير المطالعة للإنجيل حتى وعت ذاكرته أكثر أجزائه، وألف لغته وتذوقها وتأثر بها قلبه ولسانه.
ونهل مع هذا كله من مناهل الإغريق والرومان، في التاريخ والأدب والشعر والميثولوجيا، وأحب المنهل الأخير حباً شديداً فكان لا يمله مهما استزاد منه، وصارت له خبرة بهذه الناحية من خيال الإغريق والرومان قل أن يتوافى مثلها لمن كان في مثل سنه، ولسوف يمتلئ شعره منذ حداثته بالإشارات البارعة إلى آلهة الإغريق وإلاهاتهم فيما يعرض له من وصف فيلبسه الجمال والسحر. . .
هكذا نرى الصبي في أولى مراحل ثقافته ينتقل كالفراشة الطليقة بين أفواف الربيع الاليزابيثي فيبهج نفسه جمال الربيع، ويملأ حسه اقتتان الربيع، وترن في جوانب سمعه ألحان الربيع، وتستقر في خاطره تلك الأصداء الساحرة الجميلة التي تجاوبت بها قيثارات سبنسر وسلفستر وشكسبير. . .
فتطير روحه الوثابة فتطوى العصور إلى ربيع قديم أشبه بهذا الربيع الذي انطوى مهرجانه من قريب، وذلك هو الربيع الإغريقي فتنعم روحه بزينته وقوته وسحر أساطيره وأنغام مزاميره وتختزن ذلك نفسه كما تختزن الزهرة العطر، وتحلم تلك النفس الشاعرة أحلام الخيال والجمال حتى تصرفها عن حلمها البهيج الرؤى فترة فيها كثير من الجد ولا يكاد يوجد فيها شيء من الزينة.
ملتن في الجامعة:
وفي السادسة عشرة من عمره تأهب ملتن ليدخل الجامعة، فقد اجتاز الامتحان الذي يؤهله لها في يسر، وتفوق في نجاحه تفوقاً ملحوظاً وأقدم مزهواً ليلتحق بكمبردج، وكانت الكلية التي انتظم في سلك طلابها، والتي لبث فيها من عمره سبع سنين هي كريست، ولسوف