براثن ومخالب وأنياباً لذوات الحوافر والأظلاف، والقواضم والأضراس من القطعان السائمة التي ترعى لتذبح أو تحلب أو تجرجر الأثقال الدائمة أو تدور على نفسها في الحظائر تمضغ الجفاف وتجترُّه في غيبوبة عن الدنيا ذات الجنات والأنهار والعيون. . .؟
أم هو روح الحق الذي تقمصك فجعل مرآك ومنطقك ومجلسك ثلاثة مفاتيح تفك الأغلاق والأقفال والقيود عن العانين المأسورين للأصنام الإنسانية والطواغيت الثلاثة؟
أم هو روح النور الذي مددْت خيوطَه إلى كل عين رأتك فرأت به الظلام الممدود على الشرق والواقعَ الأليم على الإسلام؟
أم هو روح الثورة التي تضرمها عيناك في كل قلب يراك حتى ولو من وراء عدسة المصور. . . وأنت في بطن الأرض؟!
بل كل هؤلاء جميعاً هو سرك الذي أعيا أعداءَك جهادهُ. .
رَأى الدنيا ذات الصبح العريض المالئ للآفاق، المشرق على الناس من الغرب. وهو في أعماق الشرق بين جبال الأفغان أو إيران فقبس لمصباحه منه وأخذ عصاه رحالةً يقرع أبواب المسلمين النائمين الحالمين من الحاكمين والمحكومين، وينفخ في بوقه هاتفاً بالصوت الموقظ المنذر في الأرض النائمة، مشيراً بعصاه إلى الضوء الجديد في الأفق البعيد. . .
ثم سار في خرائب الممالك الإسلامية وأطلال المجد القديم يلتقط النفوس الدُّرِّية والحديدية من الخزف والحطام والتراب. ويقبض عليها بيديه القويتين فما يتركها حتى يصقلها وتمسها كهرباؤه وتتصل بمرجل الثورة في قلبه ثم ينثرها على الآفاق الإسلامية تكهرب الجو وتضيء وتزين وتحطِّم. . .
سَلِم من خديعة الشيطان ومكره بالعلماء رجال الدين الذين يكتفون في جهاد الإثم والجهل بأن يعكفوا على الدفاتر والمحابر فيسْكروا بما فيها كما يسكر العاكفون على الخمر فيغيبون عما حولهم من أحداث الدنيا وسياسة الحياة، ويتركون القلوب فارغة ويملئون الرءوس بالبلبلة والأحافير وألاعيب الألفاظ. يبتغون الخلود بزعمهم في التاريخ والصحف. . . وهم يفقدون نفوسهم في الحياة
فبَرئَ جمال الدين من العلم الصامت البارد وأدخل تعاليمه إلى نفوس تلاميذه ومريديه في حرارة بعد أن هزهم هزاً عنيفاً، وكتب رسالته على أرواحهم ومات فقيراً من ميراث