للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ففي دفء (الذرة) يوم كانت حلية الأرض تغذى، وفي حمى سوقها التي تزدري اليوم ازدهر. فكانت له الأب البار، أو الوصي الأمين، حتى تم الدور فتخلت ناعمة لسعيها راضية. قدمت الخير واطمأنت، وما خلفته إلا حين رأت فيه القدرة على بدء دوره

معان للتعاون وربط أدوار الحياة ببعضها. (وفي الأرض آيات للموقنين). ومنذ آلاف السنين تمر قوافل الأجيال منا في كنف الوادي الأمين بتلك العظات، وتتصفح أخراها تاريخ أولاها، وتتبين العز يكلل جبين القوم متحداً، وسيف الذل مسلطاً على رقابه متفرقاً:

عظة قومي بها أولى وإن ... بعد العهد فهل يعتبرون

أجل، لا يعتبرون ولو تكررت العظة في كل موسم. .!!

فإذا أشحنا عن منظر لا يروق، ردنا إليه الذكر حين ندرك يده فيما يروق، وفاء للغابر، وعرفاناً للجميل:

ومن شكر المناجم محسنات ... إذا التبر انجلى شكر الترابا

والحياة مزيج، فهنا تلقى بقعة من منضور النبت حالية، وهناك تلقى قطعة من بهجة الأرض عاطلة، بل قد ينفر سمعك من الاسم الذي يطلقه عليها (أدب الزراعة) فهي تسمى في العرف بوراً

هذا (البوار) مقدمة الخطبة، وهذه (البائرة) كثيرة الخاطبين فعطلها اليوم مؤقت، وخلوها قصير الأمد (وبورها) فأل الخير الدافق في المستقبل القريب

هذه القطع الخالية هي المعدة لزراعة القطن في الموسم القادم، فهي اليوم رهن التهيؤ والأعداد

(وبورها) كيوم الجمعة عندنا، تستجم فيه العافية، وكيوم الأحد عند غيرنا، جعلوه للراحة والتسلية، فإذا أقبل يوم السبت أو الاثنين فنشاط يفوق نشاط الأيام الأخرى

عاطلها اليوم كذوي النفع والخير المستخفين، أو الذين تقصيهم الأوضاع السقيمة وطغيان المتحكمين في البيئة كما قسمت الأرض لمحض فكرة الزارع في الكسب - حتى يأتي عدل الله، فيقيم المعوج، ويقصي الضار، ويظهر الحق، ولكل أجل كتاب

هذه القطع (البور) غمرها ماء النيل رجاء إخصابها، ولتجدن من بينها اليوم ما يأنس بالمحراث أنس الطروس بالأقلام، تسيل علماً وحكمةً وأدباً مروحاً، حتى إذا نظرت إليها

<<  <  ج:
ص:  >  >>