للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الخطابة. . ولم يحفظ الأثر أنه حصر مرة أو أرتج عليه، أو التاث عليه القول، لا على المنبر، ولا في حلقة الدرس، بل كان يتدفق ويشقق الحديث إذا اقتضى الموقف الإطناب، ويقتصر على العظة الصغيرة بلفظها، الكبيرة بفحواها إذا لم يقتض الحال غير ذلك

ثم هاهم أولاء الأنبياء جميعاً. . . فمن منهم تحدى قومه بقوة البيان وصوغ الكلام وإعجاز الأسلوب؟! وما ذلك كله إن لم يكن أدباً؟ وماذا يكون صاحبه إن لم يكن سيد الأدباء؟! إن الله الذي يَسّر القرآن بلسان محمد قد تحدى الناس أن يأتوا بشيء مثله، فما استطاعوا؛ وما يزال التحدي قائماً، ولسوف يعجز البشر جميعاً عن أن يجيئوا بشيء مثل القرآن. . . والقرآن وحي الله، وقد يسره الله بلسان نبيه، والقرآن تشريع ليس فيه جفاف القانون الوضعي، وقصص من النسق الإلهي الذي لا يتملق الغرائز بالفتنة في الحياة الدنيا بل يسمو بها إلى لذائذ الحياة العليا؛ ثم عظة بالغة، ودعوة إلى الحق، ودستور للناس لا يعتوره نقص ولا تشويه شائبة

هل الأدب قصة أو درامة فحسب؟! إن كان هذا فقد قص النبي أحسن القصص وأقواه وأكثره حلاوة وطلاوة، وأشده روعة وتأثيراً. . . وأي قصص أشهى وأحلى وألذ مما يسر الله بلسان نبيه في آدم ونوح وإبراهيم وموسى ويعقوب ويوسف ويونس وهود ولوط وعيسى من أنبياء الله؟!

أم يقولون أنها أخبار مروية فيما يؤمنون أنها الكتب المقدسة التي أنزل الله من قبل؟! ونقول أجل. . . ولكن أين هي هذه الكتب التي أنزل الله؟ أباقية هي على ما أنزل الله لم يعتورها تغيير ولا تبديل؟ ألم تشحنها أقلام الرواة والنُّسَّاخ بما طاب لهم وبما ندّت به أقلامهم؟. . . أحقَّا قد زنى داود؟ أحقَّا قد وقع جميع الأنبياء في الخطيئة؟ لقد جاء القرآن مصدقاً لما بين يديه من التوراة والإنجيل مما لم تبدله قرائح البشر، فبرّأ الأنبياء مما أُخذوا به باطلاً من الدنس، ثم روى أخبارهم بلسان صدقَ عِليّ وبأروع بيان وأدق أسلوب، ثم حدّث النبي بما يشبه أن يكون تعليقاً وشرحاً وتفسيراً فجاء بكل معجب وكل مطرب. . . ثم حدّث بالأحاديث القدسية العالية التي مسرحها السماء وملهمها لله القدير، فأي درامات الكتاب والشعراء روع مما تحدث به النبي؟ وأي حديث زخرفه قلم شاعر أو ناثر أو روائي يسمو إلى الحق الذي تنزل به جبريل على فؤاد محمد وما حدّث به محمد من

<<  <  ج:
ص:  >  >>