كأنما حسبني في غفلة عنه، وكأنما حسبه وحشاً ضارياً جباراً يعدو إلينا ليفتك بنا، وكأنما هالته قوة ذلك الوحش كما هاله ضعفنا جنبه، وكأنما كان بصراخه يريد أن يقول لي: خذ حذرك وأتق هذه النازلة، وأنقذني معك إذا استطعت، فلست بقادر على صده عنه ولا دفعه عن نفسه، حتى ولا عرقلته عنك ريثما تفر. . . لقد كان (بوي) يقول لي هذا كله في صراخه فقلت له: لا تخف يا (بوي) فهذا قطار. . . ورآني (بوي) مطمئناً فاطمأن إذ أدرك أنه لا يمكن أن يملأني هذا الاطمئنان كله لو كان هذا القطار المقبل وحشاً ضارياً مفترساً. ولكن القطار اقترب وضجته تعالت فتوسط (بوي) ما بيني وبين القطار وهاج وجن نباحاً، فاضطررت إلى أن أقف وأن أضمه إلي ريثما يمر القطار، فضممته ونظرت في عينيه أؤكد له الأمان والسلامة، فإذا بعينيه ترسلان إلي نظرة معناها: هاأنذا معك، وإن كنت تراني خائفاً فإنما خوفي عليك أكثر من خوفي على نفسي). . . ويسترسل الأستاذ عزيز في وصف نظرات (بوي) بما لم يصف به نظرات ممثل ولا ممثلة
ويروى الأستاذ عن صاحبه قصة أخرى فيقول:(كان لنا جار وكان لجارنا كلبه، وكان بين بوي وبين هذه الكلبة غزل وغرام لم يرض عنهما الجار، فكان يطرد (بوي) كلما رآه يحوم حول معشوقته، حتى كان يوم ضرب فيه الرجل (بوي) بعصاه ضربة قاسية آلمته ولم يستطيع معها إلا أن يفر هارباً، وليس من عادة (بوي) أن يهرب ولا أن يفر. ومضى الرجل إلى حاله في ذلك اليوم. ولكن بوي كان يعرف مواعيد دخوله وخروجه، فبدأ ينتظره ويتعمد انتظاره ليفجأه يوماً فينهشه نهشاً، ولكن الرجل كان يتقي دائماً هجمات بوي بعصاه يلوح له بها، والعصا أداة كفاح إنسانية يخشاها كل كلب ويعجز حيالها. وشكا لي الجار (بوي)، وقال لي: صحيح إن العصا تقيني هجماته ولكني قد أغفل يوماً عنها فلا اسلم منه، فأرجوك أن نتنبه إليه وأن تمنعه عني، فقلت لجاري: أنت الذي وقفت نفسك هذا الموقف، فقد كان عليك أن تعرف أن لهذا الكلب كرامه، وأنه يعلم تمام العلم أن الذي يعلقنا به هو رغبتنا في حمايته، فإذا ثبت لنا وله ولك أنه عاجز عن حماية نفسه فقد نتخلى عنه وهو يكره هذا، لأنه عاشرنا مدة ما فأحبنا كما رأى أننا نحبه. . . فعليك إذن أن تحمي منه نفسك، لأني لو نهرته عنك بعد الذي كان منك أغراه ذلك بقبول الذل والضيم، وكنت أنا محرضه ودافعه إلى هذا. . . فقال لي الرجل: إن هذا لا يمنعك من أن تحول بين كلبك