وبيني. . . وكنت من يومها أنتظر خروج الجار ودخوله مع كلبي لأشغل الكلب عنه ولأمنعه من الفتك به أو الهجوم عليه، وكنت أرى في الكلب تعجباً من موقفي هذا ودهشة لو كان ينطق لعبر لي عنهما بقوله: فيم حيلولتك بيني وبين هذا القاسي، وقد رأيت أنه ضربني ولو رأيت أنا أحداً ضربك لما حلت بينك وبينه وإنما كنت عليه معك؟. . . ثم خطر لي أن أصلح ما بينهما، فانتظرت مرور الرجل يوماً فاستوقفته وناديت (بوي) وأخذت أربت على كتفي الرجل، واربت على كتفي الكلب، وأقول لكل منهما إن الصلح خير، وأقول لكل منهما إن الصفح والعفو من شيم الكرام، وأقول لكل منهما إنه من الممكن أن يتناسيا الماضي وأن يستأنفا الصداقة من جديد، ثم أشرت إلى الرجل فبدأ يمسح للكلب ظهره، فراغ الكلب في أول الأمر رافضاً هذا الصلح، ولكنه لما رآني أستحسنه وأطلبه منه مسح رأسه هو أيضاً في ساق الرجل ثم نظر إلى يقول بنظرته: لقد صفحت عنه لكي ترضى. . .
وتجر هذه القصة إلى ذاكرة الأستاذ عزيز قصة أخرى فيقول: وقد تخاصمت أنا ذات مرة مع بوي، فقد كنا نلعب معاً، ومن عادتنا إذا لعبنا معاً أن أضربه ضرباً خفيفاً وأن يعضني عضَّاً خفيفاً، وأن يسامح كل منا الآخر فيما يناله من ألم الضرب الخفيف أو العض الخفيف، لأن كلا منا يعلم أن هذا مزاح ولعب ولا أكثر، غير أني في تلك المرة برعت في مشاكسة (بوي) حتى اغتاظ غيظاً شديداً فعضني عضة أسالت الدم من إصبعي. . . فرأيت هذا ذنباً لا يمكن أن يغتفر لأني إذا اغتفرته فقد لا يحسبه (بوي) ذنباً، وقد لا يجد بعد ذلك مانعاً من أن يعضني عضة أقوى من هذه العضة، وقد يكون في ذلك ضرر من الخير أن أتقيه وألا أنتظر حتى يحدث فأعالجه. . . فأمسكت في يسراي بكرسي جعلته درعاً، وفي اليمين عصا انهلت على (بوي) ضرباً موجعاً مبرحاً علم الله أن كل ضربة منه كانت تنزل على قلبي قبل أن تنزل على جسمه، ولكني كنت أرى أنه لا مفر من هذا الضرب عقاباً وردعاً. . . وبعدها خاصمت (بوي) وخاصمني (بوي) أيضاً. . . خاصمته: فلم أعد أكلمه، ولم أعد أناديه، ولم أعد أسامره، ولم أعد ألعب معه. وخاصمني: فلم يعد ينتظرني ليلاً، ولم يعد يدنو مني نهاراً، ولم يعد يمس طعامه الذي كان يوضع له. . . وصام هكذا ثلاثة أيام، كان خلالها كلما رآني ألقى إلي نظرة معناها عند من يفهمون النظرات: لا تكلمني، ولا