أكلمك، وأنت تعرفني وأنا أعرفك. . . أنت لم تسامحني ولكني سامحتك. . . وكنت أنا أنظر إليه وأقول له بعينيّ: الذنب ذنبك والبادئ أظلم. . . ومع هذا الخصام، وفي عزه وشدته، كنت ألمح (بوي) وأنا أرتدي ملابسي أمام المرآة، يدنو من باب الحجرة مخفياً جسمه كله ويطل إلى بعينيه كمن يريد أن يراني صحيحاً سليماً معافى، وكمن يكفيه أن يراني كذلك. . . وكنت أنا أتغاضى عن نظرته هذه ولا أبدي له التفاتي إليها. . . حتى كان اليوم الثالث، فالتقت أعيننا، فإذا بهذا الذي كان في عينيه يذوب ويتلاشى، وإذا بعينيه تلمعان عوضاً عنه بقوله: أما اكتفيت خصاماً؟! إنه ليس لي أن أبدأك بالصلح فربما كنت لا تزال غاضباً أو مستاء. . .! عندئذ انخذلت أمام هذا الوفاء الصامت، وابتسمت وناديته وقلت: لقد كانت عضة مؤلمة يا (بوي)، وأظنك لا تذكر أني ضربتك قبلها ضربة مؤلمة. . . صحيح أن (بوي) لم يكن ليفهم معاني هذه الكلمات جميعاً مفصلة. . . ولكن (بوي) أدرك من صوتي ومن بريق عيني - كما يدرك دائماً - أي حالة نفسية أنا فيها. . وفي هذه الساعة أدرك (بوي) أني أعاتبه، كما أدرك أن الموقف يقتضيه الاعتذار عما بدر منه، فأطرق برأسه وبعينيه البليغتين إلى الأرض، واقترب مني متباطئاً متذللاً مسترضياً فمسحت له ظهره بيدي، فقبل يدي بلسانه، فعانقته وعانقني وعدنا صديقين حبيبين)
بهذا الوضوح، وبأكثر منه تفصيلاً يتحدث الأستاذ عزيز عيد عن كلبه (بوي)، وهو كلب من ذلك النوع الضخم الذي يسمونه (وولف) والذي كان منه فقيد السينما (رن تن تن)
وليس (بوي) ولا (رن تن تن) بمفردين في الكلاب فهما يدركان مالا يدركه غيرهما من أفراد جنسهما، بل ولا جنس الكلاب بمفرد في الحيوان فهو وحده الذي يشعر بالحياة، والذي يعبر عن شعوره فيها والذي يتفهمها فهماً يسيراً أو فهماً كبيراً، وإنما كل الكلاب مثل (بوي) و (رن تن تن) وكل الحيوانات مثل الكلاب وإن كانت تختلف في أنصبتها من الحياة. وإذا كان الناس متشاغلين عن الحيوانات، فإن لها من الشعراء والفنانين نصراء وأصدقاء يعاشرونها ويتفاهمون معها، ويدرسونها الدراسة الحية القائمة على المعاشرة وتبادل العواطف، وهذه الدراسة أشرف بكثير من تلك الدراسة التي يعمد إليها العلماء مع الحيوان
وقد يعاني الفنانون استهزاءً كبيراً من العامة والمثقفين لهذه النزعة، وهذه النزعة وحدها