للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١ - (آه! لو كانت لي كلمات وصور ورموز

لترجمت عن شعوري!

ولو كان لساني العبي قادرا على التعبير

لأذاع تفكيري!)

أما وقد أبت الكلمات الحية، والصور الناطقة، والرموز الموضحة، أن تواتيه وتكون مطواعا لقلبه ولسانه - فليس أمانه إلا سلوك المنهج الذي سلكه مثول الخاشع الخاضع بين يدي السماء، وليصف حكمتها بأرفع ما يجري به لسانه من آي المديح والثناء؛ فالتقديس لها، والسرمدية عنها، والأزلية منها، لأنها ما أخرجت من ظلمات العدم شيئا إلا أدخلت عليه نور الحياة، ولا أبدعت للوجود كائنا إلا علمته لحنا ينشده فيطرب، ولا بثت في السقف المرفوع كوكبا إلا أنزلت وحيا يتلوه فيرضى، ولا حددت للمسافات موضعا إلا جعلت له مغنى تصدح بلابله فيشجي السامعون. . .

٢ - (إنها لحكمة قدسية سرمدية وروح أزلية،

تمد العالم كله بالحياة!

فللكل كائن لحنه، ولكل كوكب وحيه،

ولكل موضع مغناه!)

ويمضي لامرتين في تأمله فيرى أن ينبوع هذه الأنغام كلها نغم واحد، ولكنه ليس عاديا توقعه أنامل العاديين ثم يفتر بفتورهم، ولا عبقريا تتلاعب به قلوب العباقرة فيختنق بموتهم؛ وإنما هو نغم خالد لا يفتر، قديم لم يتغير، أزلي لن يختنق. أخذ من عيون الطبيعة سحرا يسبى القلوب، ومن وقارها هيبة تأسر النفوس، ومن خلافها العظيم رهبة تعجز العقول. ومع أن جرس هذا النغم رتيب لا يتبدل فإنه حلو في الإسماع كلما تكرر ازداد حلاوة.

٣ - (ما لهؤلاء إلا نغم واحد، ولكنه كالطبيعة ساحر مهيب، وكخلاقها عظيم ذو جلال! وإن هذا النغم الخالد، بجرسه الترتيب، لمحبوب يا إلهي في كل مجال!) وكيف لا يكون هذا النغم محبوبا وهو موسيقى مختلفة الإيقاع؟ فمنه صوت الرياح إذا هبت تداعب الأمواج، وصوت البحر إذا تنهد شوقا أو زمجر ضجراً، وصوت الصاعقة إذا توعدت إنذارا، ودوت

<<  <  ج:
ص:  >  >>