للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غضباً. . وهل من غبي بين البشر لا يعرف ماذا تعنى هذه الأصوات؟

٤ - (فإذا الرياح هبت على الأمواج، وإذا البحر تنهد أو زمجر، وإذ الصاعقة قدمت بالوعيد. . .

ليت شعري، هل من غبي بين البشر، يسأل عما تريد؟؟

كلا. . . لن يسأل عن مرادها سائل، فإنها تفصح بلسان مبين عن كل ما تروم: فما مداعبة الرياح للأمواج، وما تنهد البحر وزمجرته، ولا درى الصاعقة ووعيدها، إلا مظاهر من رحمة الله وقهره، تتجلى تارة في جلال وقدرته وفضله، وتارة في غضبه وانتقامه وعدله. ولو سألت الرياح عن أغانيها، والبحار عن تأوهها وأنينها، والصواعق عن إنذارها ووعيدها، لقالت: إنها تسبح بحمد الله، وإن من شئ إلا يسبح بحمده؛ ولتداعت إلى الفرار إذا ذر شارق من نور وجهه، أو لاح بارق من نور ظله؛ ولتنادت إلى السكوت، واجتمعت على الإصغاء، وائتلفت لسماع النغم الوحيد الذي يرسله من لدنه ليملأ الدنيا ألحانا وأغاريد!

٥ - (قال قائل منها: يا لجلال الله! وقال ثانيها: يا لقدرته وفضله! وقال آخرها: يا لغضبه وانتقامه!

ثم ولى أحدها هاربا من إشراق وجهه، وقال آخر: قد لاح بظله! أيتها السموات والأرض أضحى لكلامه!)

بيد أن الفرق واضح بين الإنسان وهذه الطبيعة، فإن هذه تنطق بلسان الحال فيغنيها عن لسان المقال، وذاك أوتى لسان المقال ليعبر عن لسان الحال، ومقاله متوقف على الألفاظ، وما الألفاظ إلا قوالب للمعاني لا تنبض بالحياة، ولا جناح لها فتحلق في الأجواء، أو تنطلق في الآفاق، كهذه الطيور التي تهيم في كل مكان، وتحط على كل شجرة، وتهبط كل واد، وتعلو كل جبل، وترى كل شئ، ولئن كانت فكرة الإنسان خالدة لا تموت - لأن موحيها الحي القيوم كتب لها الحياة - فإن ألفاظه المعبرة عنها لأصداء الأصوات، وما كان لصدى أن يدوم، فلا يلبث أن يزول

٦ - (لكن الإنسان الذي خلقته، هذا الذي يفهم الطبيعة، لا يتهدى بغير الألفاظ إلى المعاني الرفيعة؛

(وإن ألفاظا فاقدة الحياة مهيضة الجناح، إذا قيست بفكرته التي لا تموت كانت أصداء

<<  <  ج:
ص:  >  >>