للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عنا كل شيء! فسياستكم لا تعرف السودان إلا في المفاوضات، وأدبكم يقف بالوادي عند (الشلالات). وصحافتكم لا تدري أفي الأرض نحن أم في السموات! فهل عُني سياسي بتعرف بلادنا، أم تفرغ أديب لتصوير حياتنا، أم توفر صحافي على درس أحوالنا؟ ولعمري إذا فرقتنا السياسة ولم يجمع شملنا الأدب، فعلى أي صورة نلتقي، وعلى أي حال نتحد؟

ذلك ما يشكوه السوداني المخلص، ويأسى على حدوثه المصري المخلص، وبين الأسى والشكوى ناشئة من الأمل المسفر، وعزيمة من العمل المثمر، تتجليان في العاملين الصادقين من شباب الوادي وكهوله. فالعمل الجليل الذي هُديَتْ إليه ووُفقتْ فيه (البعثة الاقتصادية المصرية) من الرحلة إلى السوادن، والاختلاط بأهله، والاتصال برجاله، والاطلاع على أحواله، والتحدث إلى حكامه، فاتحةُ فصل جديد من تاريخ النيل الحديث، سيسجل فيه رجال الأعمال والأموال تصافُقَ البلدين الشقيقين على المودة وتواصلهما على المنفعة، وتآلفهما على التعاون

فتحت هذه البعثة الميمونة أبواب السوادن الحصينة للنشاط الاقتصادي المصري، وهيأت الأسباب إلى اجتماع الأيدي التي يسقيها النيل ويطعمها النيل على استغلال خصبه في عمران أرضه، واستثمار خيره لسكان حوضه

فإذا أضفنا إلى ذلك عناية الأدب والصحافة بتوحيد الهوى والثقافة، ألفنا من أغاريد الوادي، أعاليه واسافله، نشيداً واحداً تردده الشفاه البيض والسمر، وتتجاوبه سلاسل الجبال الخالدة.

إن الاقتصاد والأدب يكونان الجسم والروح، فلا بد منهما أولا لإنشاء الأمة وإذكاء النهضة وإحكام الصلة؛ وما غزا الغربيون ممالك الشرق إلا بالتعليم والتجارة؛ أما السياسة فلا تأتي إلا آخر الأمر، فتؤيد الواقع، وتثبت الحالة، وتنظم العلاقة، وتحمي المنفعة.

من أجل ذلك كان احتفال المصريين بوداع (البعثة) المصرية ولقاءها، واحتفاء السودانيين بفكرتها وأعضائها. هزاتٍ من العواطف الصادقة والحماسة الدافقة والشعور الواثق المطمئن بأسفار المستقبل عن وجوه الفوز، فيتصل الحبل وينتظم الشمل وتقوم الوحدة بين الشعبين الأخوين على أساس صحيح.

إن من وراء حدودنا اليابسة يا قوم آداباً لا تقل عن آدابنا يحسن أن تُعرف، وشعوباً تتصل

<<  <  ج:
ص:  >  >>