عليهم بدون أن يحمل لعبهم المفضلة. . ووقف (حسونة) يتأمل اللعب في سذاجة الأطفال، ويبدو أنها قد أعجبته إلى حد كبير فقد نسى أن يضع الحقيبة عن كتفه أثناء شراء اللعب!
وسار (رأفت بك) من جديد يتبعه (حسونة). . ولكن خواطره في هذه المرة كانت تختلف تماما عن ذي قبل. . إن الطفل الراقد في أعماقه. . الطفل المستتر خلف هذه الثياب الخرقة التي مزقتها أنواء الحياة. . الطفل الذي قست عليه ظروف المجتمع فحرمته لعبه حين حرمته أبويه. . هذا الطفل قد تنبه فجأة ليهتف بحق ضائع، حق ضاع في غمار ذلك المجتمع الذي تضيع قيه حقوق اليتامى والمشردين. . وهتف في صمت: ما اجمل اللعب وما أجمل. . وما أجمل أن تكون له إحداها!
واستقرت نظراته على حصان من المطاط جميل يحمله (رأفت بك) فيما يحمل من لعب. ما أروع أن يكون هذا الحصان له؛ إذن لواصل النفخ في ذيله المثقوب حتى يكبر ويستوي حصانا كاملا؛ ثم يضعه أمامه ويتأمله بعين فرحة هي عين طفل!
ليت ذلك الأفندي يعطيه إياه بدلا من أجرته؟ وهم بأن يسأله ذلك لولا أن تذكر فجأة أن ثمنه أكثر من أجرته. .
واستولت عليه الدهشة حين أعطاه (رأفت بك) جميع اللعب ليحملها بدلا عنه. . لم يخطر بباله مطلقا أنه فعل ذلك ليتسنى له وضع يده في جيب معطفه، وإنما تسائل في حيرة أتراه أدرك رغبته في التفرج على اللعب؟
أتراه فهم تلك الرغبة من نظراته القلقة التي كانت تتردد بين اللعب والطريق منذ غادر المحل؟ مهما يكن من شيء فهو سعيد ما دامت تلك اللعب ملء حضنه الصغير، وما دام ذلك الحصان قد وجد في يده يتحسس جلده الناعم في شغف كبير!
كانت تلك هي المرة الأولى التي تمنى فيها (حسونة) أن يطول الطريق! وكانت تلك هي المرة الأولى أيضا التي مضى فيها الطريق بسرعة!
وكان حسونة يشعر بضيق نفسي غامر حين ضغط (رأفت بك)(زر) الجرس الكهربائي في شقته وانفرج الباب عن وجوه صغيرة غضة كانت تستبق إلى رأفت بك، فهذا الصغير يطوق عنقه في لهفة، وذاك يثب على كتفيه في مرح، وذلك يهتف في غبطة: ماذا أحضرت لنا يا بابا؟