وهنا التفت رأفت بك إلى الحمال الصغير ليأخذ من اللعب، وهنا أيضا كان (حسونة) لمشاعر مختلطة مبهمة بدت حيرة في عينيه واستحالت وجوما عل شفتيه، مشاعر لم يتضح منها في خاطره غير تلك الرغبة الملحة في أن تكون له لعبة كهؤلاء الأطفال أليس هو مثلهم؟ بل إن فيهم من يكبره!
وانحسرت موجة المشاعر المختلطة عن عواطفه حين أعطاه (رأفت بك) قطعة فضية من فئة الخمسة قروش حدق فيها ببلاهة ثم قال له ليس معي (فكة) يا بك. . ولكن ألبك الذي تأثر بوجومه وانقباضه قال له في عطف وهو يربت على كتفيه
- كلها لك يا شاطر. . .!
وضم حسونة يديه معا على القطعة الفضية وجعل يتأمل وجه الأفندي الأنيق بذهول ثم تمتم بعبارات متقطعة. .
- ربنا يخليك يا بك. . .
وسار في الطريق من جديد. كان شيء واحد هو الذي يتمثل في خاطره، الحصان الجميل. . . وكان سؤال واحد هو الذي يلح عليه
- ماذا يمنعه ألان من شراء الحصان. .؟
ومضت لحظات قصيرة كان بعدها يمسك بحصان المطاط ويضع ذيله المثقوب في فمه الصغير وينفخ فيه بملء رغبته. . حتى إذا أستوى حصانا كبيرا جعل يتأمله في مرح طافر. ثم طاف بذهنه خاطر جميل: لماذا لا يذهب إلى المحطة ليتفرج عليه صاحباه (عطوة) و (أمين)؟ ولماذا لا يريه لمحروس؟ ويزهى عليه به!
وجعل يعدو تجاه المحطة وكله فرح سعادة. وبعد حين من العدو تقاربت خطواته وبدأ يتمهل في سيره. كان يشعر بأنفاسه تتلاحق، وبأعصابه توشك أن تتفكك، وبعينيه يكاد أن يختنق فيهما النور. . كان هناك إحساس آخر بدء يشعر به؛ إحساس لم يراوده منذ حين. . مرة مع الأفندي الأنيق ببائع اللعب. . إحساس بالجوع. .!!
ونظر حسونة إلى الحصان في ضيق هائل وانهال عليه بأسنانه يمزقه ثم ألقى به بعيدا في غيظ
وتابع خطواته المتخاذلة تجاه المحطة وهو يذرف فصت حزين دموعا صغيرة!