ويشهد بذلك قول شاعر حديث هو الرصافي:
سكنت الخان في بلدي كأني ... أخو سفر تَقَاذُفهُ الدروبُ
وأصرخ في وجه النجفيين قائلاً: إن المدينة التي تخلو من فندق نظيف لا تسمى مدينة، والذين عاشوا في أوربا كما عشتُ لا يستطيعون النزول في منازل الأصدقاء، والفندق النظيف هو المأوى الطيب للضيف، والحكومة المصرية لا تنزل ضيوفها في غير الفنادق، لأنها تعرف قيمة الفنادق، وكذلك تصنع حكومة العراق حين تستقبل ضيوفها في بغداد
فيا أهل النجف، تذكروا أن مدينتكم في حاجة إلى فندق نظيف، وتذكروا أن مثل ذلك الفندق ينقل مدينتكم من حال إلى أحوال
خرجت من الفندق أتلفت ذات اليمين وذات الشمال لأرى شبيهات ليلى، شفا الله ليلى وشفاني، ومنحني وإياها العزاء يوم الفراق، إن كان لنا سبيلٌ إلى التلاقي قبل الفراق
وساقتني قدماي، بل هداني قلبي إلى الحرم الحيدري
وقفت بصحن الحرم كالأرقم، والحمد لله على نعمة العافية، وليته يتفضل بحفظ هذه العافية ولو عشر سنين لأداوي جميع المرضى من الملاح
وقلت في نفسي: أنا تلميذ الشريف الرضي الذي يقول:
لو أنها بفناء البيت سانحةٌ ... لصِدتُها وابتدعت الصيد في الحرم
فإذا كان الشريف استباح الصيد في الحرم النبوي فأنا أستبيحه في الحرم الحيدري
ودرت حول الضريح مرتين، ثم وقع البصر على فتاة ساجية الطَّرف مشرقة الجبين فخفق القلب
ثم وقفت
أصاول عينيها بعيني والهوى ... يشيع الحميا في فؤادي وأعضائي
وظنت الفتاة أنها أقدر مني على الفتون، فحاولت قتلي، ثم لطف الهوى فصرعتها، فجمعت ما تبدد من قواها، وفرت فرار الغزال المطعون
وعَدَوتُ لاقتناصها فلم أفلح. وكيف يعدو النشوان وهو كالمقيد في الشوك!
من أي سحر صيغت تلك العيون؟
وإلى أية غاية تسير تلك العيون؟