للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولأية حكمة خلقت المقادير تلك العيون؟

لقد أفلح الدساس الظريف الذي نقلني إلى النجف، وهو على ظرفه لئيم خبيث

وبالنجف الحاريّ إن زرت أهله ... مهاً مهملات ما عليهن سائس

خرجن بحب اللهو في غير ريبة ... عفائف باغي اللهو منهن آيس

ثم طفت بالحرم مرة ثانية فوجدت ناساً يقرءون أدعيات وصلوات وحولهم نساء يبكين ورجال يبكون، فوقفت أسمع وأبكي، وهل في الدنيا بلاء مثل بلائي؟ أنا العاشق المهجور الذي غدرت به ليلاه. ولو كانت ليلى واحدة لصبرت، ولكنهن ليليات!

فيا بديع الملاحات ويا فاطر السموات، كيف ترى حالي!

ويا خالق النخيل والأعناب، كيف سكبت الصهباء في روحي؟ ويا مجري الدمع في الشؤون، كيف علمتني وعلمت الحمائم النُّواح

وما الذي أعددت لتكريمي يوم ألقاك وقد سبَّحت بحمدك فوق أفنان الجمال!

وما عندك لسلامتي من الناس، وقد خاصمت فيك جميع الناس!

وطفت بصحن الحرم مرة ثالثة فوجدت ضريح الحبوبي الذي يقول:

اسقني كأساً وخذ كأساً إليك ... فلذيذ العيش أن نشتركا

وإذا جُدت بها من شفتيك ... فاسقنيها وخذ الأولى لكا

أو فحسبي خمرةٌ من ناظريك ... أذهبت نسكي وأضحت منسكا

وانهب الوقت ودَعْ ما سلفا ... واغتنم صفوك قبل الرَّنق

إن صفا العيش فما كان صفا ... أو تلاقينا فقد لا نلتقي

وعند ذلك الضريح طال بكائي، فهذا شاعر قضى حياته في التغني بالجمال، ثم رآه النجفيون صوفياً فدفنوه بجوار أمير المؤمنين، وأنا أفنيت شبابي في التغني بالجمال ولم أجد غير العقوق!

فمتى يعرف قومي أني صوفيٌّ يؤمن بوحدة الوجود؟

ومتى يعرف قومي أني أصدق تلاميذ ابن الفارض في هذا الزمان؟

اللهم لطفك ورحمتك، فقد طال بلائي بالناس!

يئستُ من الصيد في الحرم الحيدري بعد فرار تلك الغزالة، وبدأتُ أعتب على سيدنا علي

<<  <  ج:
ص:  >  >>