بن أبي طالب، فمثلي لا يُكرَم في رحابه بالماش والُجلاَّش، وإنما يكرم مثلي بالهيام في أودية الفتون، وما كنت في حياتي من الفاسقين، وإنما كنت مؤمناً يتقرب إلى ربه بعبادة الجمال
وفي حومة هذا العَتْب تذكرت أن لي في النجف صديقاً من تلاميذ الأستاذ محمد هاشم عطية هو السيد محمد تقي آل الشيخ راضي، فقلت أذهب إليه عساه يجد السبيل إلى الظبية التي نفرت مني، ولكني ما كدت أصل إلى منزله بعد طول البحث حتى وجدته في ارتياع، فقد علم أن الشرطة في النجف تبحث عني، لأني في ظنهم وردت النجف لمطاردة الظباء، وقد رأى بفطرته السليمة أن ينفي الشبهة فدعا علماء النجف للتسليم على العالم العلامة الدكتور زكي مبارك!
وما هي إلا لحظة حتى كانت الدار تموج بالغرّ البهاليل من أقطاب النجف
وجلست بين القوم جلسة العالم الحق، وما يصعب عليّ أن أمثل هذا الدور الفظيع، فانتقدت صاحب مجلة الحضارة لأنه يدعو إلى تعديل المذاهب القديمة في التعليم، وقلت أن مذاهب التعليم في النجف كمذاهب التعليم في الأزهر لا ينبغي أن تزول
وعجب القوم من أن يصدر هذا القول عن رجل متخرج في السوربون
ولكني في الواقع لم أكن مرائياً، فقد صح عندي أن الأساليب الأزهرية والنجفية أساليب تنفع أجزل النفع في رياضة العقل، يضاف إلى ذلك أن الأزهر هو الذي حفظ اللغة العربية في عهد المماليك، وأن النجف هو الذي حفظ اللغة العربية في عهد الأتراك، ورعاية العهد توجب الإبقاء على تلك الأساليب التي استطاعت أن ترسل النور الوهاج في دياجير الظلمات
وبعد طول الحوار فهمت أن في النجف ثورة فكرية تشبه الثورة التي وقعت في الأزهر منذ أكثر من ربع قرن، وعرفت أن طلبة العلم في النجف يريدون أن يغيروا حالهم ليسايروا مناهج التعليم في العصر الحديث
وقد تأكد ذلك المعنى حين قال الأستاذ الصوري: ما رأيك يا دكتور في أن أخلع عمامتي؟ فقلت: أنا أبغض المعممين الذين يخلعون عماماتهم! فقال: هل تعرف ما قلتُ في العمامة؟ لقد قلت: إنها منعت رزقي وفِسقي