فابتسمت وقلت: وكيف تعيش يا مسكين بلا رزق، وبلا فسق؟!
وتقدم الأستاذ البلاغي صاحب مجلة الاعتدال فقص أحاديث يشيب لها الوليد، ومنها عرفت أن طلبة العلم في النجف يعيشون في بؤس. وقد طفر الدمع من عيني حين سمعت أن عالما نجفياً أشرت إليه في كتاب (عبقرية الشريف الرضي) جلس في صحن الحرم الحيدري يبيع كتبه ليسدَّ ما عليه من ديون، لم يجنيها لهوٌ ولاُ مجون، وإنما جناها الخبز والماء
وكان هذا العالم المحقق لقيني في الكاظمية منذ أشهر، لقيني لقاء المساكين؛ ولما لقيني في النجف تبسم وقال: كنت في الكاظمية غريباً، وأنا اليوم في بلدي، وأنا حاضر لخدمتك
وكنتُ أحب أن أقبل دعوته الكريمة، ولكني وا أسفاه كنت عرفت ترجمة حالة منذ لحظات ففررت من كرمه بترفق وتلطف
لا تحزن أيها الزميل؛ فسيكون لي ولك مكانٌ بين الصابرين
لا تحزن، فالدنيا أحقر من أن يبكي على نعيمها أحرار الرجال
لقد سمعت أنك بعت دارك بثمن بخس لتسدد ديونك. فهل علمت أن لك عقبى الدار يوم يجزى الله الصابرين؟
ثم مضيت فطوَّفت بالنجف وحولي جيش من أهل العلم والأدب والبيان، وفي أحد المنعطفات وقع البصر على طفلة من قريبات ليلى، فمددت يدي امسح خدها الأسيل فصرخت، وتضاحك الرفاق، ولكني سأرجع بإذن الله إلى النجف لأعرف أهل تلك الطفلة وأخطبها لأحد أبنائي، وبيت أهلها يقع في دربونة متصلة بدربونتين إحداهما توصَّل إلى الرابطة الأدبية، والثانية توصَّل إلى الحرم الحيدري، ولذلك البيت روشن عليه بَرَّادة، وبداخله بئرٌ وسرداب، وفوق الروشن حمامتان تسجعان، وفوق عتبات ذلك البيت تتحدر مدامع العشاق
يا شبيهة ليلى في حسنها ودلالها ولؤمها وغدرها! ترفقي بقلبي فقد تركته في الدَّربونة لتدوسه في كل صباح أقدامك الرقاق
يا شبيهة (كريمة) الغالية التي تداعت أباها في الأحلام تذكَّري أن طيفاً زارك في النجف ولن يعود. يا أخت (زينب)، تذكري أن الرجل الذي مدَّ يمينه ليمسح خدك الأسيل لم يكن فاجراً، وإنما هو مجاهد ترك وطنه وأهله في سبيل العقيدة والوجدان