ولهذا الضرب من الشعر النسيبي مزايا جمة: ففيه إمتاع للخيال وإثارة للطرب، وإشباع لحب الجمال على إطلاقه؛ وهو منزه عن الغرض الشخصي وعن ريبة الشهوات تنزيهاً تاما؛ وهو يجعل من الحب والجمال والبطولة والمرأة مثلا عليا تهفو إليها النفوس، ويمنح المؤلف والقارئ معاً جواً من النقاء والسمو كثيراً ما يعوزنا في الحياة الواقعة، وفي ذلك عزاء للنفس عن نقائص الواقع المجرد وأوشاب الحياة التي قلما تتعلق بالكمال
فالأدبان العربي والإنكليزي فرسا رهان في مضمار النسيب، قد وعيا من آثاره سجلاً حافلاً يصور فتنة النفس الإنسانية بالجمال الإنساني؛ يتمثل ذلك في العربية في بعض شعر الجاهلية، وبالأخص في شعر العصر الاموي، وبذلك النسيب الأموي يعتز الأدب العربي ويفاخر أول ما يفاخر، لصدق ما فيه من شعور يعوز شعر العصور التالية، ونبل ما فيه من غرض يباين غرض أشعار المديح والهجاء، وجزالة ماله من أسلوب يزدري أسلوب الصناعة والمحسنات التي داخلت الشعر بعده، وذلك الأدب النسيبي لم ينل حقه من التقدير والاهتمام بعد، وأولئك الشعراء الناسبون لم يتبوءوا مكانهم الجدير بهم في الأدب العربي