العشرين، وأساليب الاستعمار الأوربي على العموم، بعض ما يستفاد من هذه الكتاب الذي يعد في بابه قليل النظير.
أما سيرة إبراهام لنكولن فهي السيرة الوحيدة التي ظهرت في اللغة العربية لهذا الرجل العظيم، وهي سيرة لم يستوعبها كتاب واحد ولا كتب عدة في اللغة الإنجليزية بين المتكلمين بها أو القادرين على الاطلاع فيها، حيث يعلم الناس كثيراً من تاريخ الولايات المتحدة، فيستغنون عن إقحام هذا التاريخ في سيرة هذا الزعيم أو ذاك.
والواقع أنه لا توجد في التاريخ كله فائدة أو عبرة لا تستخلص من سيرة إبراهام لنكولن في حياته الشخصية أو حياته العمومية سواء تعلقت هذه العبرة بأطوار العظماء أو بأطوار الأمم في نشأتها، أو بأطوار السلم والحرب، أو بعجائب الأخلاق ونقائض الأراء.
فقد يستغني القارئ بسيرة مستوفاة لإبراهام لنكولن عن سير مئات من العظماء ومئات من الحوادث، ولا يفوته شيء ذو بال.
وهنا موضع الصعوبة في استيفاء كتاب عربي لهذه السيرة الجامعة، وقد كانت صعوبة قائمة أمام كل مؤلف تعرض لهذه السيرة من الغربيين فضلا عن الشرقيين.
ويستطيع القارئ أن يعرف لنكولن معرفة صحيحة من كتاب الأستاذ محمود الخفيف، لأنه يعرفه كما كان عظيما غاية في البساطة، بسيطاً غاية في العظمة، أميناً في السياسة، سياسياً في الأمانة، فكها يضحك الثكالى، وحزيناً لا يفارقه حزنه مدى الحياة، كريماً في الصداقة والخصومة: يقف جلسات الوزارة ليستقبل فلاحاً صديقاً من رفقة صباه، ويقهر خصومه كل القهر فلا ينتقم منهم ولا يفكر في إذلالهم، بل يعرف لهم حقهم ويصون عليهم كرامتهم، ويسعى في ذلك كأنه يسعى في مكافأة ولي من أوليائه يدينه بالحب والوفاء.
تلك صفات لهذا الرجل العظيم تعرفها من هذا الكتاب، ولكنك مع هذا لا تحيط بكل شيء ولا تعرف كل شيء، بل تعرف ما لابد منه ويبقى من وراء هذا التعريف الضروري مجال واسع للمزيد.
ومن المباحث التي تجاوزها الكتاب، ما يساعد القارئ كثيراً على تعليل هذه الصورة الصادقة التي تتجلى له من سيرة هذا الزعيم العجيب.
فليس في الكتاب تعريف كاف بأسلاف لنكولن من جانب أبيه وأمه، وليس فيه إلمام كاف