لقد أحسست بخستي ودناءتي؛ فما احسبني بعد اليوم خليقاً بصداقتك، وما أطمع منك إلا في عفوك وصفحك، أما عند الله فسيصيبني بما أجرمت صغار وعذاب شديد، وما يوم القصاص ببعيد. ولا أكتمك أن مبعث علتي، ومصدر شقائي هو حبي لفتاتك سوفرنيا. أعترف لك بهذا الأثم الشنيع الذي فارقت رحضاً لسبة الخيانة، ومعرة الإنكار، واستعداد لقضاء العادل الجبار)
وجم صاحبه لحظة، واستولت عليه حيرة، وتزاحمت عليه خواطر شتى: هذا وفاؤه لتيتوس يكبره ويقدسه، ويذود عنه بعقله وحكمته، وهذا حبه لسوفرينا يملك عواطفه ويتحكم في شعوره ويملأ قلبه. فماذا يصنع؟ والى أي العاملين يخضع؟ ثم ليست هي الصداقة وحدها تتراءى له فيقع في حيرة وتردد، بل هو الصديق نفسه قد أشفى على الهلاك والتلف، وتصرمت بينه وبين الحياة أسبابها. أطال جيزيبوس الصمت، وأغرق في التفكير، ثم استقر، ورضى، وطابت نفسه أن ينزل عن سعادته في الحب لينجو صديقه من الموت، وتنجو صداقتهما من أن يعتورها كلل أو فتور
ومضت بضعة أيام، وأقبلت سوفرنيا إلى منزل العريس، وقد أعد العدة لليلة الزفاف. وما وافت ساعته حتى انسل إلى مقصورتها، وأطفأ شموعها وقفل راجعاً إلى صديقه تيتوس في حيرة لا قبل له بها، وتزاحم عليه الخجل، والحب، ولرغبة، والأباء، والوفاء: تتنازع هذه النفس المعذبة المحطمة وتتركها شعثاً لا يرجى له اجتماع، وتضطرب في هذا القلب المتداعي حتى ليكاد ينفجر الصدر، وتنقض الأضلاع. ولم يسعه إلا أن يرفض ما عرض عليه جيزيبوس، وألح هذا الصديق الوفي في قبول ما عرض، حتى نزل تيتوس على إرادة صديقه وقبل رجائه، وأسترق الخطى إلى مقصورة العروس، فلما دنا منها تحت غلس الليل قال لها:(أتطيبين نفساً بزواجي؟) فحسبته الفتاة زوجها الموعود جيزيبوس، وأجابت (بنعم). فتناول خاتماً ثميناً ووضعه في إصبعها وقال لها شاكراً (وسأكون زوجك) ولما تنفس الصبح وافتضح التدبير أدركت سوفرونيا أن في الأمر خدعة ودلساً. فتسللت من بيت عرسها وانصرفت إلى أمها وأبيها، تشكو إليهما خدعة وقعت فيها، وذاع الخبر في أثينا، وكان حديثاً تلوكه ألسنة الناس ساخطة على فعلة جيزيبوس وخديعته لفتاة انحدرت من أطهر الأصلاب وأعرق الأنساب، ولكن لا مفر مما وقع، ولا تبديل لحكم القضاء. ولم