يجد والدا الفتاة حيلة في هذه الكارثة المخزية إلا أن يسترا الفضيحة ويكتما العار. فطلبا إلى تيتوس أن يرحل بالفتاة إلى روما حيث لا يعلم الناس من أمرهما شيئاً.
وما كاد الفتى يفصل عن أثينا بزوجته حتى تحركت في نفوس الملأ سورة الغضب والانتقام من جيزيبوس جزاءً بما فعل بهذه الأسرة الكريمة، واشتدوا على الرجل ونكلوا به تنكيلاً، وجردوه من كل ما يملك، وشردوه من أثينا تشريدا أبدياً، فخرج منها مذموماً مدحوراً
وركب نعليه إلى روما، ومشى إليها مكباً على وجهه، كاسف البال، عليه من الثياب أسمال، لا رفيق له إلا أحزانه وأشجانه، تبطئ خطاه حيناً، وتسرع أحياناً. ولقى في سفره هذا عناءً ونصباً. وأشرف على المدينة فتلمس دار صديقه الذي لقى ما لقى في سبيل الوفاء له والإبقاء على صداقته فهداه السابلة إلى طريق اتخذ سمته فيه إلى قصر شامخ عليه مظاهر النعيم واليسار، تجري عليه من السعادة أنهار، وإذا هو قصر صاحبه تيتوس.
وتنسم أخباره فإذا هو في نعمة سابغة، وسطوة بالغة، وإذا هو في المدينة من ذوي السلطان والحول، والقوة والطول، لا يدفع له أمر، ولا يرد له قول أن كان في المقربين من أمير البلاد أوكتافيوس قيصر من الخاصة الخلصاء. وأختلس الفتى من أعين الحراس موقفاً إلى جوار الباب خفياً، وأسنده ظهره إلى الحائط وأطرق يفكر ملياً
وا رحمتاه لهذا البائس المنكود! يسبح في بحار من الأحزان والآلام لو سلطت على هذا القصر لدكته على من فيه دكاً. ترى ما الذي يختلج في هذا الصدر من لوا عج الأسى؟ وما الذي يضطرب في هذه النفس من شتى المشاعر؟. هذا صديقه الذي نزل عن سعادته في الدنيا لينعم بها دونه ولقى في سبيل الوفاء له شر ما يلقى الناس من عنت الدهر، وتجرد له من حطام الدنيا وما ملكت يداه، وأفزع من وطنه شريداً طريداً لينعم بخفض العيش ويستقر في مهاد النعمة. . أإذا خرج ورآه، يعطف عليه ويرق لمرآه؟ أيذكر له سابق فضله ويسبغ عليه من فيئه؟ وكيف السبيل إليه، ودونه من الحراس والحجاب والأبواب ما يصد الناس عن الوصول إليه ولو كانوا من ذوي المكانة. فكيف به وهو على ما نعلم من المذلة والمهانة؟
وبدت في القصر حركة تدل على أن صاحب القصر قد آذن بالخروج، فتحرك الفتى من