للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يكن رئيس، وعضو الإدارة إن كان مجلس إدارة، وأن يكون له الرأي إن أخذت الآراء. . . بل إنا نرى كلاً منا يعطل أعمال الآخرين ويبطلها، ويعمل على هدمها، بينما نراه مؤمناً بلزومها، معتقداً بالحاجة إليها، ساعياً إلى القيام بمثلها، فهو يعرف الحاجة إلى ناد أدبي ولكنه يحارب النادي لأنك أنشأته أنت؛ وهو يعلم الحاجة إلى مدرسة دينية ويدعو إليها، ولكنه إذا رآها قد فتحت ونالت قسطاً من النجاح أصلاها حرباً حامية، وجعل أكبر همه هدمها وتخريبها. ذلك أن دعوته الأولى لم تكن عن إخلاص ولم يكن يريد بها وجه الله والمصلحة، ولكنه يريد الفخر والشهرة والنفع واللذة، فلما رآك أنت السابق إليها والذاهب بفخرها، خان المصلحة وعصى الله ليرضي أثرته ويستجيب لأنانيته. . وهو شاعر بالحاجة إلى جمعية خيرية يسعى إلى تأليفها بحماسة وجد ودأب قد ملأت فكرتها نفسه وحياته فهو لا يتحدث إلا بحديثها، ولا يشتغل إلا لتأسيسها، فإذا تم له الفلاح بعد التعب والكفاح وقامت الجمعية ولم يكن هو الرئيس أو هو الناموس انفصل عنها وحاربها حرباً لا هوادة فيها وسعى إلى هدم ما بناه بيده. . .

هذا داء من أشد أدوائنا الخلقية، إن لم نعالجه فشت جرثومته في جسم الأمة، فشلت أعضاءها وعطلت أعمالها:

متى يبلغ البنيان يوماً تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟

وأين هو الإخلاص، وأين هو الصدق، فيمن يدعو إلى الخير أو الدين أو الفضيلة، وغايته استغلال الدين والخير والفضيلة لمصلحة نفسه وإطاعة هواه؟

ومن هذه الأخلاق أننا لا نعرف قيمة الوقت، وأنا نضيع أوقاتنا سدى، ونذهب أعمارنا عبثاً لا نعرف لها قيمة وهي أثمن ما نملك. وإذا كان فينا من يحسن الاستفادة من وقته، وينفقه في علم أو أدب أو شيء مما ينفع الناس، لم يعدم من الثقلاء من يضيع عليه وقته، ويسرق عمره ولا يتوهم أنه أساء أو أخر. . . وما أظن أن في القراء من لا يذكر حادثة في هذا الباب. . . كنت ذاهباً إلى المدرسة ذات مرة، وكان علي محاضرة لم يبق دون موعدها إلا مسافة الطريق، وكنت مسرعاً لا أكاد أبصر طريقي فاعترضني رجل كبير كان ناظراً للمدرسة الثانوية التي كنت فيها وله في البلد حرمة ومقام، فأقبلت عليه أحييه وأفهمته برفق أن علي محاضرة قد حان موعدها فقال: طيب. . . لحظة. وانطلق يتكلم، فلا والله ما سكت

<<  <  ج:
ص:  >  >>