إلا بعد ساعة ونصف ساعة ألقى هو فيها المحاضرة علي، وأنا أتململ وأتحرك ويربد وجهي وأحس النار تشتعل في عروقي. . . فلما انتهى قال:
- أظن أننا وقفناك. . . عدم المؤاخذة!
قلت: أستغفر الله، ومضيت عنه. . .
هذه علة أخرى من عللنا الأخلاقية. . . لا شك في أنها من أشدها وأدواها لأن حفظ الوقت ألد وسيلة إلى النجاح، وخير طريقة لرفعة الفرد والمجموع. أذكر أن الدكتور نمر تحدث إلى قراء المقتطف في العدد الخاص بعيد المقتطف بين لهم أن أثمن ما استفاده من الأمريكان في كليتهم هو تقدير الوقت، وأن ذلك هو الذي أعانه وزميله الكبير الدكتور صروف على النجاح وأتاح لهما تحقيق هذا المشروع العظيم، والأمريكان خاصة والغربيون على التعميم يعرفون كيف يستفيدون من أوقاتهم، فيقوم أحدهم في اليوم بأعمال لا تقوم بمثلها الجماعة منا في أسبوع. وكذلك كان أجدادنا الذين تركوا هذه الآثار العلمية الضخمة، وكان فيهم من بلغت تصانيفه الثلاثمائة فما فوقها. . كانوا يحسنون الاستفادة من أوقاتهم، ولا يدعون دقيقة واحدة تمر إلا في عمل مفيد، أو راحة مقدرة، أو قضاء حق لله أو للجسم أو للعيال. . والوقت لا يضيق بعمل إذا عرفنا طريق استغلاله والانتفاع به. ولو أحصى الواحد منا ما يذهب من عمره هدراً في المقاهي أو دور اللهو، وفي الأحاديث الفارغة، ومطالعة الصحف الجوفاء، والمجلات المؤذية، وقدر ما يمكن أن يعمل في مثل هذا الوقت من جليل الأعمال ونافعها لهاله الأمر ورأى شيئاً عظيماً
وانظر إلى التلميذ إذا دهمه الامتحان كيف يقرأ الكتاب في ليال ويحفظه كله، والموظف إذا اضطر إلى العمل، أو الصحفي إذا كان موسم من موسم الصحافة، والمؤلف إذا طمع في الجائزة الكبرى؛ انظر إلى هؤلاء كلهم، وانظر إلى هؤلاء الأفراد الممتازين الذين يشتغلون بالسياسة ويبرزون فيها، ويؤلفون في الأدب وينبغون فيه، ويطالعون كثيراً من الكتب، ولا يقصرون في حقوق أنفسهم وأهليهم، وحقوق الناس، تعلم أن الوقت واسع جداً، ولكن الجاهل المهمل يضيقه على نفسه
ومن الأخلاق التي يجب أن نتعلمها تقدير المصلحة العامة. وإهمالنا هذه المصلحة باب آخر من أبواب الأثرة (الأنانية) منشؤه أن أكثر الحكومات التي تتالت على بلدان الشرق