وما أنا وحدي هالك فيثور بي ... على الموت حب للحياة موطَّد
فقبلي أجيالٌ ألمَّ بها الردى ... وبعديَ أجيال سترْديَ كما ردؤا
نجئ ونمى زمرة بعد زمرة ... وننْبُتُ مثل العشب والموت يحص
مقيدةٌ منا الجسومُ بأرضها ... ولكنما الأرواح لا تتقيدَّ
ستذهب ذراتٌ لجسميِ ألفت ... بداد وعلَّ الروح لا يتبدد
وقد تسبح الأرواح في ضوء أنجم ... فيجمعها جنحٌ من الليل أسود
وما هذه الدنيا بدار سعادة وإن طاب فيها الأثرياء وأرغدوا
قفي كل يوم للتعاسة لوحة ... وفي كل يوم للشقاوة مشهد
وإن فؤاداً لا يرقَّ لزفرة ... يصعدّها قلب كسير لجلمد
ومن كان في بيداء يشكو لهاثه ... فليس له غير المنية مورد
سئمت مِرَاس الحرب فالسلم بغيتي ... ولكن باب السلم دونيَ موصد
بني لقد كانت حياتي شقية ... وعلّك من بعدي بني ستسعد
قضيت حياتي كلها في تمردٍ ... ومن ذا يرى خسفاً ولا يتمردَّ
لقد وُلدَ الإنسانُ حرَّا بطبعه ... ولكنه للنفس منه مقيدَّ
أناخ عليها بالخرافات مثقلاً ... وقيدها بالوهم والوهم مفسد
يلوذ بمن أثرى ويعنو لمن طغى ... فيصبح عبداً صاغراً وهو سيد
تداولت الدنيا شعوبٌ كثيرة ... وقد حبّذوا تلك القيود وأيدوا
أمَن كان حمّاداً لها فهو مؤمن ... ومن كان نقاداً لها فهو ملحد؟
وإنك مني يابُني بقيَّة ... أعيش بها في الموت أو أتجدد
بني أرى مستقبلي فيك ماثلاً ... وفيك أقول الشعر غضَّا وأنشد
إذا متُّ فاذكرني بنيّ مكرراً ... فبالذكر أحيا ثم بالذكر أخلد
(بغداد)
جميل صدقي الزهاوي