والطير، ونشرت عليها خفائف الذهب ولفضة، وفرشت لها الشقق الحريرية من باب الستارة إلى قاعة العواميد
ولقد وردت إلى السلطان منذ أمد قريب هدايا من الشام حافلة، في عدادها عدة صناديق خشبية فيها أشجار صالحة للغرس لا يزال الطين عالقا بجذورها، وهي ما بين أشجار تفاح وكمثرى وسفرجل وقراصية وأعناب مختلفة. وما بين ورد أبيض وسوسن وزنبق. ومن بينها شجرة من أشجار جوز الهند. . فغرس كل ذلك في بستانه بالميدان. وزود البستان بالمقاعد الكثيرة والمناظر الوثيرة، حتى صار روضة كاملة وجنة حافلة، اعتاد السلطان أن ينفق أوقاته مرتاضا بين أحواضها وممراتها، وأن يقيم مواكبه فيها واستقبالاته، وأن يمد موائده على مقربة منها؛ وأصبحت هذه الروضة تضارع في جمالها وتنسيقها وطرافة ما فيها، ما يرويه التاريخ عن بساتين خمارويه. . .
وليس على السلطان من بأس في كل ما أنشأه، سوى هذه المصادرات الغرامات الفادحة، وسلب مقتنيات الناس بأبخس الأثمان. . .
قال الشاعر شهاب الدين: ألم تسمعوا قول الشاعر:
يا من بنيتم لخلق الله مدرسة ... أسستموها بعدل أم بطغيان
إذا بنيتم فلا تبنوا على سفه ... ولا تجوروا بسلب أو بحرمان
فكل شيء بناه الجور منهدم ... وليس يبقى سوى عقباه للباني
فقال علم الدين الخياط: صدقت. . . ولو أن السلطان نقل الرخام من (نصف الدنيا) إلى مسجده لقلنا سيئة أتبعتها حسنة؛ وقد قال علنه الصلاة والسلام ما معناه (وأتبع السيئة الحسنة تمحها)؟ ولكنه نقلها إلى القاعة البيسرية وسواها، ظهورا وزينة ومتعة، فهي سيئة أتبعها سيئة. . .
التاجر غرس الدين: ليت السلطان يكتفي بعقوبة الأعيان والرؤساء، ومصادرة أموالهم ونفائسهم ولكنه يعاقبنا كذلك معشر التجار من آن لآخر، بفرض الضرائب، الباهظة، وبغيرها، كالأمر بتعلية الأرصفة أو تخفيضها. . . إن علينا نفقاتها، فوق ما نعانيه من دالة الفعلاء، وحاملي الأتربة. إذ يرفعون حينذاك الأجور، ويماطلون في العمل، فضلا عن عطلنا عن البيع والشراء، طالما ضاقت صدورنا وامتلأت بالحرج والحنق، ولكنها الأوامر