السلطانية الشريفة يا سيدي. . . ويبدو أنها ترادف الجور في معناه في أيامنا. . . زد عليها ضريبة المشاهرة التي أبطلها السلطان حين تفشت الأوبئة في البلاد، كأنما كان يتقرب إلى الله بإبطالها. ثم سرعان ما عاد ففرضها علينا وزاد عليها. والأمر لله من قبل ومن بعد
المستوفي: إن ما يصيب التجار - يا صديقي - قليل من كثير مما يصيب أعيان الموظفين. وويل لكل موظف في الدولة من السلطان. . . لقد تعودنا أن نشتري الوظيفة بالمال، من السلطان أو من وسطائه - وهي مع أنها سلعة غالية، قليلة النفع سريعة النفاق. فمتى ساء ظن السلطان في أحد الموظفين لأقل شبهة أو نميمة، قبض عليه وصادره، وأحاط بماله، وفرض عليه غرما ماليا فادحا، وعاقبه عقابا شديدا بالضرب بالمقارع، أو التشهير في الأسواق، أو عصر الأيدي والأرجل بالعصارات. أو إحراق الأصابع بالقصب، أو لي الأصداغ بحبال القنب، وغير ذلك. وقبل هذا كله تطير الوظيفة من يديه. . .
الخياط: مسكين - والله - الشيخ بدر الدين بن مزهر. كان من خيرة زبائننا. وكان معدودا من الرؤساء والعلماء. لقد ولي عدة وظائف سنية من بينها كتابة السر وقد أخبرني أحد أقاربه أن السلطان قبض عليه وسجنه. ثم وكل أمره إلى الحاج بركات ابن موسى الذي صار محتسبا للقاهرة. وإلى معين الدين بن شمس، وكيل بيت المال، وغيرهما، فعصروا أكعابه. وركبه. وأحاطوا أصابعه بالقصب وأوقدوا النار فيه، حتى تساقطت سلامياته. واختطفوا أثداءه بكماشات الحديد المحمى، ثم وضعوها في فمه. . . ولووا أصداغه بحبال من قنب حتى نفرت عيناه. . . ثم مات. . . وقانا الله وإياكم شر العذاب
المستوفي: ولم يكتف السلطان بذلك، بل سطا بعد حين على قاعات أبيه فاقتلع رخامها وزين به الدهيشة. . .
الشيخ ولي الدين: يقال - والله أعلم - إن أبا بكر ابن مزهر يستحق هذا العذاب ن فإنه كان نكبة على الناس وآذى كثيرا منهم إيذاء شديدا. . . هذا إلى أنه كان يأتمر بالسلطنة، ويغري الأنابكي قيت بالوثوب عليها. . . ووضع أمواله تحت تصرف قيت وعصابته. . .
ونحن - وإن كنا لا ندري بواطن الأمور - نستسيغ كل خبر إلا الرشوة التي تقدم للسلطان ووسطائه في سبيل المناصب ثمنا لها، ولا أدري كيف يشتري الموظفون وظائفهم من السلطان؟ ومن المؤلم أنهم درجوا على ذلك زمنا طويلا، حتى كاد شراء الوظائف يكون في