للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عداد التقاليد. وإذا استسيغ شراء بعض الوظائف فليس بمستساغ أن يشتري قضاة القضاة مناصبهم. . . وهم القوامون على الشريعة، المهيمنون على العدالة، فكيف يؤتمنون بعد ذلك على رعايتها؟ ألا رحم الله السلف الصالح. . . كان كثير منهم يعف عن ولاية القضاء جملة، ولو ضرب في سبيل ذلك أو سجن. وقد عزل بعضهم نفسه من هذه الولاية، وكلما ولوه عزل نفسه. ومنهم من أنف أن ينال من وراء ولايته درهما واحدا. . .

المستوفي: بلغني أن قاضي القضاة محي الدين بن النقيب سعى إلى قضاء الشافعية بنحو سبعة آلاف دينار، دفع منها للسلطان خمسة آلاف، وللوسطاء نحو ألفين، ومن هؤلاء الوسطاء الأمير أزدمر الدوادار. . . ومع ذلك عزل هذا القاضي بعد مدة يسيرة لم يستطع خلالها - فيما أظن - أن يستعيض عن دنانيره

الشاعر: لقد أصبح ابن النقيب هذا، والقاضي جمال الدين القلقشندي، وأضرابهما من قضاتنا الأماثل، مثلة للناس وأضحوكة لتكالبهم على مناصبهم، وأصبحوا مثاراً للقيل والقال محلا للهزء والسخرية. وقد داعب أحد أصدقائنا قاضينا ابن النقيب، فقال فيه:

قاض إذا انفصل الخصمان ردهما ... إلى جدال بحكم غير منفصل

يبدي الزهادة في الدنيا وزخرفها ... جهرا ويقبل سرا بعرة الجمل

الخياط: أما القاضي عبد البر بن الشحنة فقد هجاه صاحبنا جمال الدين السلموني بقصيدة مرة، ولكني نسيتها. . . وأصابه بسببها مكروه شديد

الشاعر: أما حادثة السلموني فقد بدأت عندما هجا هذا الشاعر، القاضي معين الدين بن شمس، وكيل بيت المال، هجاه فاحشا. ومعين الدين - كما تعرفون - كثير الشر والأذى. وكان في عداد ما هجاه به هذا البيت

وحرفته فاقت على كل حرفة ... يركب ياقوتا على فص خاتمه

وفي هذا البيت ما فيه من التورية والإقذاع. فشكاه إلى السلطان. فقال له السلطان: إن وجب عليه شيء شرعا، فأدبه. . . فاتخذ ذلك وسيلة إلى القبض على السلموني، ووضعه في القيد، وسوقه إلى بيت القاضي عبد البر، ورافعه أمامه، وادعى عليه. . . فضربه القاضي ووبخه، وأمر بإشهاره على حمار، وهو مكشوف الرأس. . .

بلغ هذا الحكم مسامع السلطان، فحنق على معين الدين، لأنه ادعى زورا أن السلطان أمره

<<  <  ج:
ص:  >  >>