وإذا بصر الناس بهذه المعجزة القدسية فوق ما رأوا من المعجزات الكبار، تعاظمهم الأمر وأخذ منهم البهر مأخذه. وقال واحد من حواريي السيد المسيح: يا روح الله. لو أريتنا من هذه الآية آية أخرى. فقال: يا سمكة احيي بإذن الله! فاضطربت، ثم قال لها: عودي كما كنت فعادت مشوية.
ثم طارت المائدة إلى السماء والناس ينظرون في ظلها، وقيل كانت تأتيهم أربعين يوماً غبا، يجتمع عليها الفقراء والأغنياء، والصغار والكبار يأكلون. حتى إذا فاء الفيء ارتفعت، ولم يأكل منها فقير إلا غنى مدة عمره، ولا مريض إلا بريء ولم يمرض أبداً.
أما بعد، فذلك حديث المائدة المقدسة، كما رواه المحدثون الثقات، أشبعت الناس من جوع، وأسبغت الطمأنينة على نفوسهم، وأسبلت السكينة على قلوبهم.
لقد نزلت المائدة المقدسة على أهل فلسطين، فأشاعت بينهم الأمن والسكينة، بعد إذ طعموا منها وشبعوا. فما بال أولئك الذين أجاعوهم ونكلوا بهم وشردوهم في آفاق الأرض، ونشروا بينهم المجاعة والمسغبة؟
إن حديث هؤلاء الجياع الطاوين ليحز في كل قلب، ويغمز على كل كبد، ويستدر من الأعين الدمع الهتون.
إنها مجاعة الشيطان التي استبدلها بمائدة المسيح، وكذلك نشر على ضفة الأردن الجوع والعري.
فيم يساعد أولئك الذين يقولون إنهم ورثة المسيحية الأولى، هؤلاء الغزاة الأفاقين الذين دنسوا مهد المسيح وداسوا الحرمات وانتهكوا الشعائر والأقداس؟ ألأنهم راحوا من بعد يحاكونهم بهذا المنكر الذي ارتكبوه على ضفتي القناة! ثم لأنهم جاروهم بارتكاب الموبقات وقتل الرجال والنساء والولدان؟
إلا إن المسيح الطاهر ليبرأ في أقداسه العليا من أولئك الذين يحملون اسمه ثم يعاضدون سلالة أعدائه على غزو الأرض التي فيها درج وإليها بعث. وإن من هؤلاء العرب المعذبين في أرض بها مهد المسيح، وإن هؤلاء المصريين المعذبين في أرض هاجر إليها المسيح، إذا خاب أملهم في العدل الإنساني على الأرض لتتلع أعناقهم إلى السماء، يرقبون