يكافئه به من زاد أو مؤنةً، ثم يتسلل إلى جيبه أو خزانته من سراديب الغش والملق والمراوغة بعد الظفر بطمأنينته والنفاذ إلى مكامن سره ومواطن ضعفه وجشعه
فالآفتان الكبريان الرابضتان في طريق الإصلاح هما سوء الظن وسوء الفهم، وكلاهما حجاب حائل بين الناصحين والمنصوحين
وليس العائق كله من جانب القادرين على النفع فإن العاجزين عن الانتفاع يقيمون في وجه الإصلاح عائقا لا يجدي فيه الإقناع ولا الإرغام؛ وماذا يصنع القادرون على النفع بمن لا يريدون نفعاً أو بمن يريدونه ولكنهم يخطئون السبيل إليه، ويصرون على الخطأ ولا يستمعون إلى من يعالج هذا الإصرار بالبيان والبرهان، بل يسرعون إلى اتهامه هو في أكثر الأحيان؟
وما نبغي بهذا أن نيأس أو أن ننفض الأيدي من هذا الواجب الذي لا يعفينا منه عذر ولا تعلة. فالإصلاح فرض لا يرفعه عن الكواهل أنه عسير، بل لعل هذا العسر مما يوجبه ويستحث العزائم على النهوض بتكاليفه وأوقاره
ولكننا نبغي الدلالة إلى مواضع الصعوبة ومواضع التقصير، ونعتقد أن المزيد من التفاهم والتقريب بين الحضريين والريفيين، والمزيد من المثابرة عل إزجاء الأمثلة المحسوسة والبينات المقنعة، والمزيد من الدقة في اختيار الوعاظ والمرشدين، والمزيد من التعليم والتهذيب - خليق كله أن يروض ما جمع ويذلل ما استعصى من العيوب والآفات، ويغرينا بالرجاء أننا صنعنا شيئا بما بذلنا من الجهود ولم نضيعها كلها سدى كما يلوح لبعض المتشائمين
وأصاب صديقنا الأستاذ صاحب الرسالة حين قال:(إن هذا الفلاح لا يصلحه تنظيم قريته ولا تجميل داره. إنما يصلحه تربية ذوقه وإرهاف حسه)
نعم، فأنت إذا أنشأت فلاحاً سليم الذوق مرهف الحس مفتوح العقل مستجيب السليقة، فسيجري ورائك لتعطيه الماء النظيف والغذاء الجيد والأدوية النافعة والنصائح القويمة، ولا يجشمك كما يجشمك اليوم أن تعدو وراءه لتقصيه عن موارد الماء العكر (بدسمه وخيره) وتدنيه من مساقي الماء المرشح وموائد الغذاء المفيد