للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهكذا في كل ما يسمع من النصائح ويتلقى من الإرشاد ولو لم يكن ثمة قط سبب للريبة والتردد في التصديق

هذا الظن السيئ حائل دون الثقة بالمصلحين وحائل دون النجاح في الإصلاح. فليس من اليسير أن تدخل في روع فلاح جاهل أن إنساناً من الناس يعّني نفسه ويطيل همه بإسداء الخير إلى إنسان آخر، ولكنه يسير كل اليسر أن تقنعه بنية السوء واتهام المقاصد والسهر على الكيد والخديعة

فإذا قيل مثلاً إن الماء النظيف يضعف الرجال، وقيل بعد ذلك إن إضعاف الرجال مقصود في سياسة من السياسات الخفية التي يدبرها بعض الأجانب، فقد ضمنت للإشاعة سرعة السريان وسرعة الإصغاء والقبول. وإذا حاولت بعد ذلك أن تنفي هذا الهراء فها هنا الصعوبة جد الصعوبة في استرعاء الآذان والأذهان، مع الكائدين بأجر معلوم. . . وإلا فما يفيدك؟ وماذا يعود عليك؟ ولماذا تشغل بالك بتبرئة أولئك الكائدين الذين لا شك في أنهم كائدون؟ أليس للناس عقول؟ أليس التواطؤ بادياً لكل ذي عينين؟. . . بلى. . وما من حاجة بعد هذا الوضوح إلى دليل! ومن النقائض الظاهرة أن هذا الفلاح الذي يستريب هذا الريب بالمصلحين يقع فريسة هينة سهلة المقاد لكل دجال أو مشعوذ يدعي له من الدعاوى ما يوجب الاتهام ويثير الشكوك

لماذا؟

أفي الأمر تناقض بين ذلك الحذر وهذا الاستسلام؟

كلا. . . لا تناقض إلا في الظاهر دون الحقيقة، لأن الحرص هو العلة الغالبة في كلتا الحالتين

فالحرص الذي يشكك الفلاح الجاهل في المصلحين هو الحرص الذي يخيل إليه أن الدجال قادر على تعويذه وتعويذ أبنائه وماشيته وغلاته بالرقى والعزائم والطلاسم والدعوات

والحرص الذي يوحي إليه أن أحداً من الناس لا يعّني نفسه ولا يطيل همه من أجل أحد آخر لا قرابة بينهما ولا مودة، هو هو الحرص الذي يوحي إليه أن الدراويش ومصطنعي التقوى يفعلون الخير لأنهم باعوا الدنيا واشتروا الآخرة، وهي تجارة غير خاسرة ولا بائرة، وكثيرا ما يتفق أن (المتدروش) من هؤلاء يظهر له الزهد في ماله وما عسى أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>