للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من أهل الجيرة القريبة إلى المطالبة بمثله فينتشر في أنحاء القرى قاطبة خلال أشهر معدودات، أو خلال سنوات على الأكثر إذا لم يسعف الماء

كان هذا هو المظنون وكان عجيباً ألا يكون

إلا أن العجيب هو الذي حدث ولم يعجب له أحد، وغير العجيب هو الذي دق عن الأفهام

شاع بين جمهرة من أهل الريف أن الماء النظيف ماء لا خير فيه ولا دسم فيه فهو مضعف للرجال. . .!

أما الماء الذي فيه الخير والدسم فهو الماء العكر الذي يجلب البركة إلى الأرض فتنبت ويجلب البركة إلى أصلاب الرجال فينبتون

وسألت غير واحد من الثقاة فأكدوا لي ما سمعت، وقال لي أحدهم إنه وقف بنفسه على طريق الماء المرشح فرأى الفتيات يتخطينه إلى مساقي الماء العكر وهي بعيدة من دورهن، وسألهن ما عيب هذا الماء النظيف؟ أليس أصلح للشرب وأسوغ في المذاق؟

قال: فتضاحكن وملن بعيونهن وهن يقلن: ولكنه رديء!

قال فسألتهن: وما رداءته؟

فلم يزدن على أن قالت إحداهن: أنا عارفة؟ كلهم يقولون إنه رديء وإنه يهد الحيل

ثم علم بعد الاستيضاح ما هذه الرداءة وما هذا الحيل الذي يهده ذلك الماء المسكين!

أيها المصلح الغيور دونك فأصلح!

ولكن قل لنا بحقك ماذا أنت مصلح في الريف: مضخات الماء أو تلك العقول في رؤوس الرجال والنساء؟!

وأرى أن سوء الفهم آفة يبتلى الفلاح من قبلها بأعظم البلاء، ولكنها دون الآفة الكبرى في الضرر والإيذاء، وهي فيما نعتقد سوء الظن والمبادرة إلى تصديق قالة السوء

يستقرئك الفلاح رسالة فتقرأها له بغير جزاء، ولا يخطر ببالك أن في الأمر ما يدعو إلى إساءة ظن أو تشكك في صواب القراءة

ثم ترقبه فتراه قد حمل الرسالة إلى ثان وثالث يستعيد قراءتها ليوقن أنك لم تخدعه ولم تهزأ به، وأن القراء جميعاً مخلصون لأنهم متفقون

ويسألك الطريق فتهديه، ثم يمضي خطوات فإذا هو قد أستوقف غيرك ليعيد عليه السؤال

<<  <  ج:
ص:  >  >>